قالوا: وقد قال الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام، وقد حلف ليجلدن امرأته مائة. {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] .
قال سعيد عن قتادة: كانت امرأته قد عرضت له بأمر، وأرادها إبليس على شئ فقال لها: لو تكلمت بكذا وكذا؟ وإنما حملها عليها الجوع. فحلف نبى الله لئن شفاه الله تعالى ليجلدنها مائة جلدة، قال: فأمر بأصل فيه تسعة وتسعون قضيباً، والأصل تكملة المائة، فيضربها به ضربة واحدة. فأبر الله تعالى نبيه. وخفف عن أَمتَه. وقال عبد الرحمن بن جبير: لقيها إبليس فقال لها: والله لو تكلم صاحبك بكلمة واحدة لكشف عنه كل ضر، ولرجع إليه ماله وولده، فأخبرت أيوب فقال: ويلك، ذاك عدو الله، إنما مثلك المرأة الزانية، إذا جاءها صديقها بشئ قبلته وأدخلته. وإن لم يأتها بشئ طردته وأغلقت بابها عنه. لما أعطانا الله تعالى المال والولد آمنا به، وإذا قبض الذى له منا نكفر به. إن أقامنى الله تعالى من مرضى لأجلدنك مائة. فأفتاه الله بما أخبر به: أن يأخذ ضغثاً، وهو الحزمة من الشئ، مثل الشماريخ الرطبة والعيدان ونحوها، مما هو قائم على ساق، فيضربها ضربة واحدة.
وهذا تعليم منه سبحانه لعباده التخلص من الآثام، والمخرج من الحرج بأيسر شئ وهذا أصلنا فى باب الحيل، فإنا قسنا على هذا وجعلناه أصلاً.
قالوا: وقد أرشد النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى التخلص من صريح الربا بأن يبيع التمر بدراهم، ثم يشترى بتلك الدراهم تمراً. وروى أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال:
"جَاءَ بِلالٌ إلى النَّبَّى صلى اللهُ تعالى عليه وآلهِ وسَلمَ بِتَمْرٍ بَرْنِىٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبَّى صلى اللهُ تعالى عليه وآلهِ وسلمَ: مِنْ أيْنَ هذَا؟ قَالَ: كانَ عِنْدَنَا تمْرٌ رديء فَبِعْت مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لنُطْعِمَ النّبَّى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. فَقَالَ لَهُ النّبُّى صلى اللهُ تعَالى عليه وآله وسَلم عِنْدَ ذلِكَ: أوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ وَلكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَن تَشْتَرِىَ فَبِعِ التَّمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ" متفق عليه.
وفى لفظ آخر: "بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اُشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيباً". والجمع والجنيب نوعان من التمر.