وفى لفظ لمسلم: "بِعْهُ بِسِلْعَةٍ، ثُمّ ابْتَعْ بِسِلْعَتِكَ أَىَّ التَّمْرِ شِئتَ".
فقد أمره أن يبيع التمر بالدراهم أو السلعة، ثم يبتاع بها تمراً. وهذا ضرب من الحيلة. ولم يفرق بين بيعه ممن يشترى منه التمر، أو من غيره. وقد جاء قوله تعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تَجَارَة حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنكُمْ} [البقرة: 282] .
وهذا إرشاد إلى حيلة العِينة وما يشبهها. فإن السلعة تدور بين المتعاقدين، للتخلص من الربا.
قالوا: وقد دلت السنة على أنه يجوز للإنسان أن يتخلص من القول الذى يأثم به أو يخاف بالمعاريض، وهى حيلة فى الأقوال، كما أن تلك حيلة فى الأعمال.
فروى قيس بن الربيع عن سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: إن فى معاريض الكلام ما يغنى الرجل عن الكذب.
وقال الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما: ما يسرنى بمعاريض الكلام حمر النعم.
وقال الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ابن أبى معيط، وكانت من المهاجرات الأول: "لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وآلهِ وسلمَ يُرَخِّصُ فى شَئْ مَّمِا يَقُولُ النَّاسُ إِنّهُ كَذِبٌ إِلا فى ثَلاثٍ: الرَّجُل يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالَّرجُلِ يَكْذِبُ لامْرَأَتِه، وَالْكَذِبِ فى الْحَرْبِ".
ومعنى الكذب فى ذلك هو المعاريض لا صريح الكذب.
وقال منصور: كان لهم كلام يدرءون به عن أنفسهم العقوبة والبلايا، وقد لقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم طليعة للمشركين، وهو فى نفر من أصحابه فقال المشركون: "مًمَّنْ أَنْتُمْ؟ فقَالَ النَّبُى صلى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلمَ: نَحْنَ مِنْ مَاءٍ. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَقَالُوا: أَحْيَاءُ الْيَمَنِ كَثِيرٌ، لَعَلّهُمْ منهم، وَانْصَرَفُوا".
وأراد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقوله "نحن من ماء" قوله تعالى: {خُلقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] .
ولما وطئ عبد الله بن رواحة جاريته أبصرته امرأته فأخذت السكين وجاءته فوجدته قد قضى حاجته. فقالت: لو رأيتك حيث كنت لوجأت بها فى عنقك. فقال ما فعلت؟ فقالت: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن. فقال: