فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كَنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلا المَسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيُعونَ حِيَلة وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 97-99] .
ووجه الاستدلال: أنه سبحانه وتعالى إنما عذرهم بتخلفهم وعجزهم إذ لم يستطيعوا حيلة يتخلصون بها من المقام بين أظهر الكفار، وهو حرام. فعلم أن الحيلة التى تخلص من الحرام مستحبة مأذون فيها. وعامة الحيل التى تنكرونها علينا هى من هذا الباب. فإنها حيل تخلص من الحرام، ولهذا سمى بعض من صنف فى ذلك كتابه: "المخارج الحرام والتخلص من الآثام" واعتبر هذا بحيلة العينة، فإنها تخلص من الربا المحرم.
وكذلك الجمع بين الإجارة والمساقاة يخلص من بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وهو حرام.
وكذلك خلع اليمين يخلص من وقوع الطلاق الذى هو حرام أو مكروه، أو من مواقعة المرأة بعد الحنث وهو حرام.
وكذلك هبة الرجل ماله قبل الحول لولده أو امرأته، يخلصه من إثم منع الزكاة، كما يتخلص من إثم المنع بإخراجها، فهما طريقان للتخلص.
فالحيل تخلص من الحرج وتخلص من الإثم. والله تعالى قد نفى الحرج عنا وعن ديننا، وندبنا إلى التخلص منه ومن الآثام، فمن أفضل الأشياء معرفة ما يخلصنا من هذا وهذا وتعليمه، وفتح طريقه.
ألا ترى أن الرجل إذا حلف بالطلاق ليقتلن أباه، أو ليشربن الخمر، أو ليزنين بامرأة ونحو ذلك. كانت الحيلة تخليصه من مفسدة فعل ذلك، ومن مفسدة خراب بيته، ومفارقة أهله. فإن من لا يرى الحيلة ليس له عنده مخرج إلا بوقوع الطلاق، فإذا علم أنه يقع به الطلاق فزال، فعل المحلوف عليه، فأى شئ أفضل من تخليصه من هذا وهذا؟
وكذلك من وقع عليه الطلاق الثلاث ولا صبر له عن امرأته، ويرى اتصالها بغيره أشد من موته، فاحتلنا له بأن زوجناها بعبد فوطئها، ثم وهبناه منها فانفسخ نكاحه، وحلت لزوجها المطلق بعد انقضاء العدة.