وغيداء غنّتنا بلابل حليها ... فجاوبها ورق الحمام المغرّد
لها أرج كالعنبر الورد لو بدت ... لأصبت فؤاد العابد المتزهّد
تجمّعت الأضداد في حسن خلقها ... فجسم رطيب قد حوى قلب جلمد
ولم أنس إذ مرّت بنا مثل ظبية ... تهادى على رمل الكثيب بفرند
وألقت قناع اللّيل فوق سنا الضّحى ... كما قد حوت درّا حقاق الزّبرجد
مرخّمة الألفاظ معسولة اللّمى ... مفعّمة الخلخال فضّيّة اليد
شربت لماها والتثمت لثاثها ... وقبّلت جيدا كالحسام المهنّد
وقالت أراك البدر قلت أو الّتي ... إذا طلعت لم يبد نجم لمهتد
فتلك التي أودى فؤادي بحبّها ... وخالفت فيها قول كلّ مفنّد
وشعره كثير، وأدبه مشهور.
ومنهم:
يكنى أبا الحسن. كان رحمه الله من جلة العلماء المبرّزين، فاضلا ورعا زاهدا جليل المقدار، مع ما كان له من الأدب البارع والشّعر الرّائق. وصفه الفقيه أبو العباس أصبغ في كتابه فقال: تبوّأ للعبادة شعبا، وملئ من خوف الله العظيم رعبا، فانفرد ليستعدّ لسفره، وفقد حتّى لم يعد من نفره، فلزم داره، واتخذ التّبتّل شعاره ودثاره، واعتزل جميع النّاس، / 163 / ولبس بملابس التّقوى أصفى لباس.
كتب إليه يوما الفقيه أبو الحسن بن هارون بشعر أوله (?):
لا ورمّان نهده ... وببستان خدّه
وعقارب صدغه ... قد حمت روض ورده
وضمور بخصره ... واعتدال بقدّه
ولمى لؤلؤ جرى ... فيه درياق شهده
وامتلاء بردفه ... منحل جسم عبده