والثاني: أن يكون المعنى مطابقا لألفاظه فلا يزيد عليها ولا يقصر عنها فإن زاد كان الاختلال في اللفظ، وإن نقص كان الاختلال في المعنى وأما حسن نظمه فيكون من وجهين.
أحدهما: أن يكون الكلام متناسبا لا يتنافر.
والثاني: أن يكون الوزن معتدلا لا يتباين.
فإن قيل: قد يجتمع في كلام البشر ما يستكمل هذه الشروط فبطل به الإعجاز.
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن أسلوب نظمه على هذه الشروط معدوم في غيره فافترقا.
والثاني: أن لنظم ألفاظه بهجة لا توجد في غيره فاختلفا لأنك إذا جمعت بين قول الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (?) وبين قولهم القتل أنفى للقتل وجدت بينهما فروقا في اللفظ والمعنى.
والوجه الثاني: من إعجازه، إيجازه عن هذا الإكثار واستيفاء معانيه في قليل الكلام كقوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (?) .
فإن قيل: ليس جميعه وجيزا مختصرا وفيه المبسوط والمكرر بعضه أفصح من بعض ولو كان من عند الله لتماثل ولم يتفاضل لأن التفاصيل في كلام من يكل خاطره وتضعف قريحته فعنه جوابان:
أحدهما: أن اختلافه في البسط والإيجاز ليس للعجز عن تماثله ولكن لاختلاف الناس في تصوره وفهمه وتفاضله في الفصاحة بحسب تفاضل معانيه