الباب الحادي والعشرون في مبدإ بعثته واستقرار نبوّته صلى الله عليه وسلم
إن لله تعالى لكل مقدور من الأمور إذا دنا نذيرا وبشيرا يظهر بهما مبادىء ما أخفاه ويشعر بحلولهما قدره وقضاه ليكونا تعذيرا وتحذيرا تستيقظ بهما العقول ويزدجر بهما الجهول لطفا بعباده من فجأة الأمور المذهلة أن تصدم ببوادر لا تستدرك لتكون النفوس في مهلة من استدفاع خطبها وحل صعبها ولما دنا مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة رسولا وإلى الخلق بشيرا ونذيرا انتشر في الأمم أن الله تعالى سيبعث نبيا في هذا الزمان وأن ظهوره قد قرب وآن فكانت كل أمة لها كتاب يعرف ذلك من كتابها والتي لا كتاب لها ترى من الآيات المنذرة ما تستدل عليه بعقولها وتنتبه عليه بهواجس فطرها إلهاما أعان به الفطن اللبيب وأنذر به الحازم الأريب هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم غافل عنها وغير عالم أنه مراد بها ومؤهل لها لم يشعر بها حتى نودي ولا تحققها حتى نوجي ليكون أبعد من التهمة وأسلم من الظنة فيكون برهانا أظهر وحجاجه أقهر وكان مع تمييزه عن قومه بشرف أخلاقه وكرم طباعه لم يعبد معهم صنما ولا عظّم وثنا وكان متدينا بفرائض العقول في قول جميع الفقهاء والمتكلمين من توحيد الله تعالى وقدمه وحدوث العالم وفنائه وشكر المنعم وتحريم الظلم ووجوب الإنصاف وأداء الأمانة.
واختلف أهل العلم هل كان قبل مبعثه متعبدا بشريعة من تقدمه من الأنبياء، فذهب أكثر المتكلمين وبعض الفقهاء من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة إلى أنه لم