لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
«أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا» ، لأنه نبّه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلّا وهو عليه معان وإليه مفاد.
والخصلة الرابعة: ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التعطف على الضعفاء والأيتام ثم ما نهى عنه من التباغض والتحاسد وكف عنه من التقاطع والتباعد، فقال: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عبادا لله أخوانا» ، لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر ومستحسن الآداب عليهم أظهر وتكون إلى الخير أسرع ومن الشر أمنع فيتحقق فيهم قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (?) فلزموا أوامره واتقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عز بهم الإسلام بعد ضعفه وذل الشرك بعد عزه فصاروا أئمة أبرارا وقادة أخيارا.
والخصلة الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجابه إذا جودل لا يحصره عي ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلّا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح، أتاه أبي بن خلف بعظم نخر من المقابر قد صار رميما ففركه حتى صار كالرماد ثم قال: يا محمد أنت تزعم أنا وآباءنا نعود إذا صرنا هكذا لقد قلت قولا عظيما ما سمعناه من غيرك: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (?) فأنطق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ببرهان نبوّته فقال: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (?) فانصرف مبهوتا ولم يحر جوابا، ولما