إحداهن: ما أوتي من الحكمة البالغة وأعطي من العلوم الجمة الباهرة وهو أمي من أمة أمية لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالما ولا معلما فأتى بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر فلم يعثر فيه بزلل في قول أو عمل وجعل مدار شرعه على أربعة أحاديث أوجز بها المراد وأحكم بها الاجتهاد.
أحدها: قوله: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى» .
والثاني: قوله: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبين ذلك أمور متشابهات ومن يحم الحمى يوشك أن يقع فيه» .
والثالث: قوله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» .
والرابع: قوله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، وقد شرع من تقدم من حكماء الفلاسفة سننا حملوا الناس على التدين بها حين علموا أنه لا صلاح للعالم إلّا بدين ينقادون له ويعلمون به مما راق لها أثر ولا فاق لها خبر، وهم ينبوع الحكم وأعيان الأمم، وما هذه الفطرة في الرسول صلى الله عليه وسلم إلّا من صفاء جوهره وخلوص مخبره.
والخصلة الثانية: حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلّا من ذهن صحيح وصدر فسيح وقلب شريح، وهذه الثلاثة آلة ما استودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوّة، فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلى القيام بها محثوثا.
والخصلة الثالثة: إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتى