آخرون منهم وأسقطوا فرض التوحيد عن العقلاء إذا لم يرد سمع بإيجابه.
وذهب آخرون إلى أن ما علم بضرورة العقل من التوحيد واجب بالعقل وما علم بدليل العقل من النبوّة واجب بالسمع لأن التوحيد أصل والنبوّة فرع والاجتهاد فيهما فرض على أعيان ذوي العقول إذا اقترن بكمال عقله قوة الفطنة وصحة الروية، فيستغنى بكمال عقله وصحة رويته عن تنبيه ذوي العقول الوافرة ليصل بإجتهاد عقله من اضطرار أو استدلال إلى قضايا العقول ليصير عالما بها ومستغنيا عن عقل غيره فيها، وإن ضعفت فطنته وقلت رويته لزمه أن يتنبه بذوي العقول على الوصول إليها بعقله لا بعقولهم فيعلمها بالتنبيه كما علمها غيره بالنظر وإن لم يصل إليها بالتنبيه فليس بكامل العقل ويصير تبعا لذوي العقول لأن عدم الموجب دال على سقوط الموجب.
والعقل هو ما أفاد العلم بموجباته، وقيل: بل هو قوة التمييز بين الحق والباطل. وقيل: هو العلم بخفيات الأمور التي لا يوصل إليها إلّا بالاستدلال والنظر وهو ضربان، غريزي هو أصل ومكتسب هو فرع.
فأما الغريزي فهو الذي يتعلق به التكليف ويلزم به التعبد.
وأما المكتسب فهو الذي يؤدي إلى صحة الاجتهاد وقوة النظر ويمتنع أن يتجرد المكتسب عن الغريزي ولا يمتنع أن يتجرد الغريزي عن المكتسب لأن الغريزي أصل يصح قيامه بذات والمكتسب فرع لا يصح قيامه إلّا بأصله.
ومن الناس من امتنع من تسمية المكتسب عقلا لأنه من نتائجه ولا اعتبار بالنزاع في التسمية إذا كان المعنى مسلّما.
وأما أحكام السمع فمأخوذة عمن يلزم طاعته من الرسل والعقل مشروط في التزامها وإن لم يكن السمع مشروطا في قضايا العقول. وما يتضمنه السمع نوعان: تعبد وإنذار، فالتعبد الأوامر والنواهي، والإنذار الوعد والوعيد فإن