جمع الرسول بين التعبد والإنذار فهو الشرع الكامل المغني عن غيره وإن انفرد بالتعبد دون الإنذار فإن تقدمه إنذار غيره كمل الشرع بتعبده وإنذار من تقدمه وإن لم يتقدمه إنذار من غيره، أما في مبادىء النبوات أو في من لم تبلغهم دعوة الأنبياء فقد اختلف في قضايا العقول هل تقتضي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، فذهب فريق إلى اقتضائها لذلك فعلى هذا يكون شرعا كمل بتعبد الرسول وإنذار العقول، وذهب فريق إلى أن قضايا العقول لا تقتضي ثوابا ولا عقابا، فعلى هذا اختلف في التعبد هل يكون مستحقا على ما تقدم من نعم الله تعالى على خلقه أو لجزاء مستقبل فذهب فريق إلى استحقاقه بسابق النعمة فإن وعد الله تعالى ثوابا عليه كان تفضلا منه يستحق بالوعد دون التعبد فعلى هذا يكون التعبد فرضا مستحقا يقتضي تركه عقابا وإن لم يقتض فعله ثوابا، وذهب آخرون إلى استحقاقه بما يقابله من الجزاء بالثواب عليه وما تقدم من النعمة تفضل منه فعلى هذا يكون التزام التعبد مستحبا وليس بمستحق فلا يلزم على تركه عقاب كما لم يستحق على فعله ثواب لأنه لم يقترن به وعد بثواب يوجب التزام التعبد، وإن انفرد الرسول بالإنذار دون التعبد فالإنذار لا يكون إلّا على فعل وإلّا كان عبثا لا يصدر عن كليم، فإن كان إنذاره على شرع تقدمه تضمن إنذاره إثبات ذلك الشرع وكان هذا المنذر من أمة ذلك المتعبد، وإن كان المتعبد قد أنذر كان هذا الإنذار تأكيدا ولم يحتج هذا المنذر إلى إظهار معجز، وإن لم يكن المتعبد قد أنذر تكامل شرع المتعبد بإنذار المتأخر وتكامل إنذار المتأخر بتعبد المتقدم واحتاج هذا المنذر إلى إظهار معجز إلى إنذاره موجب لكمال الشرع وإن أنذر المتأخر على فعل الخير واجتناب الشر خرج عن حكم الشرع إلى الوعظ والزجر بأمر إلهي يستحق له بسط اليد في الانكار واستيفاء ما تضمنه الإنذار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015