استدلالا بدليل العقل، فأما المعلوم بضرورة العقل فهو ما لا يجوز أن يكون على خلاف ما هو به كالتوحيد فيوجب العلم الضروري، وإن كان عن استدلال للوصول إليه بضرورة العقل، وأما المعلوم بدليل العقل فهو ما يجوز أن يكون على خلاف ما هو به كآحاد الأنبياء إذا ادعى النبوّة فيوجب علم الاستدلال ولا يوجب علم الاضطرار لحدوثه عن دليل العقل لا عن ضرورته، واختلف في أصل النبوّات على العموم هل يعلم بضرورة العقل أو بدليله على اختلافهم في التعبد بالشرائع هل اقترن بالعقل أو بعقبه فذهب من جعله مقترنا بالعقل إلى إثبات عموم النبوّات بضرورة العقل وذهب من جعله متأخرا عن العقل إلى إثباتها بدليل العقل، وذهب أصحاب الإلهام إلى إسقاط الاستدلال بقضايا العقول وجعلوا إثبات المعارف بالإلهام أصلا يغني عن أصل، وهذا فاسد بقول الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (?) فجعله بالاعتبار مدركا دون الإلهام، ويقال لمن أثبت المعارف بالإلهام لم قلت بالإلهام؟ فإن استدل ناقض، فإن قال: قلته بالإلهام، قيل له: انفصل عمن أسقط الإلهام بالإلهام، وعمن قال في الإلهام بغير إلهامك في جميع أقوالك فلا تجد فصلا، وكفى بذلك فسادا.

الضرورة والدليل

فإذا ثبت أن كلا الضربين (?) مدرك بقضية العقل فيما علم بضرورته من التوحيد أو بدليله من النبوّة، صار بعد العلم به واجبا واختلف في وجوبه، هل وجب بما صار معلوما به من قضية العقل أو بالسمع، فذهب قوم إلى وجوب التوحيد والنبوة بالعقل كما علم بالعقل ويكون التوحيد وعموم النبوات قبل السمع فرضا، وذهب آخرون إلى وجوبهما بالسمع وإن علما بالعقل لأن الوجوب تعبد لا يثبت إلّا بالسمع.

واختلف من قال بهذا في وجوب ورود السمع به فأوجبه بعضهم ولم يوجبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015