والأدلة ما أوصلت إلى العلم بالمدلول عليه، والدليل معلوم بالعقل، والمدلول عليه معلوم بالدليل، فيكون العقل موصلا إلى الدليل، وليس بدليل، لأن العقل أصل كل معلوم من دليل ومدلول عليه، ولذلك سمي أم العلم، فصار العقل مستدلا وإن لم يكن دليلا، والعلم الحادث عنه ما تميز به الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، والممكن من الممتنع، وهو على ضربين: علم اضطرار وعلم اكتساب، فأما علم الاضطرار فهو ما أدرك ببداهة العقول وهو نوعان: حس ظاهر، وخبر متواتر، وعلم الحس متأخر عن العقل وعلم الخبر متقدم عليه، ولا يفتقر علم الاضطرار إلى نظر واستدلال لإدراكه ببديهة العقل ويشترك فيه الخاصة والعامة ولا يتوجه إليه جحد ولا تحسن المطالبة فيه بدليل لأنه غاية لتناهي النظر.
وأما علم الاكتساب فطريقه النظر والاستدلال لأنه غير مدرك ببديهة العقل، فصحّ أن يتوجه إليه الاعتراض فيه بطلب الدليل عليه، فلذلك لم يتوصل إليه إلّا بالنظر والاستدلال، وهو على ضربين: أحدهما؛ ما كان من قضايا العقول، والثاني؛ ما كان من أحكام السمع، فأما قضايا العقول فضربان: أحدهما؛ ما علم إستدلالا بضرورة العقل، والثاني؛ ما علم