بالظاهر، ووكل سرائرهم إلى اللَّه، وكذلك فَعَل بالذين تخلَّفوا عنه واعتذروا إليه، قَبِلَ منهم عَلَانيتهم، ووَكَلَ سرائرهم إلى اللَّه عز وجل، وكذلك كانت سيرته في المنافقين: قبول ظاهر إسلامهم، ويَكِلُ سرائرهم إلى اللَّه عز وجل، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ولم يجعل لنا علمًا بالنيَّات والمقاصد تتعلق الأحكام الدنيوية بها، فقولنا لا علم لنا به، قال الشافعي (?): "فرض اللَّه تعالى على خلقه طاعة أنبيائه (?)، ولم يجعل لهم من الأمر شيئًا، فأولى (?) ألا يتعاطوا حكمًا على غَيْب أحد بدلالة ولا ظنّ؛ لقصور علمهم عن علم أنبيائه الذين فَرَضَ عليهم الوقوفَ عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره؛ فإنه تعالى ظاهَرَ عليهم الحُجَجَ، فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، فَفرضَ على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يُسْلِمُوا فَتُحْقنَ دماؤهم إذا أظهروا الإسلام، وأُعلم أنه لا يعلم صدقهم بالإسلام إلا اللَّه؛ ثم أطْلَعَ اللَّهُ رسوله على قوم يُظهرون الإسلام ويُسِرُّون غيره، فلم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا؛ فقال لنبيه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يعني أسلمنا بالقول مخافَةَ القتل والسبي، ثم أخبر (?) أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني إن أحدثوا طاعة اللَّه ورسوله (?)، وقال في المنافقين وهم صنف ثانٍ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} (?) [المنافقون: 1 - 2] يعني جُنَّةً من القتل، وقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 59] فأمر بقبول ما أظهروا، ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإيمان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015