فقال الشافعي وأصحابه: إن لم يذكر في لفظه طلاقها أو عتاقها أو حجها أو صدقتها (?) لم يلزمه شيء، نَوَاه أو لم ينوه (?)، إلا أن ينوي طلاقها أو عتاقها فاختلف أصحابه، فقال العراقيون: يلزمه الطلاق والعتاق، فإنَّ اليمين بهما تنعقد بالكناية مع النية. وقال صاحب "التتمة" (?): لا يلزمه ذلك وإن نواه ما لم يتلفظ به؛ لأن الصريح لم يوجد، والكناية إنما يترتب عليها الحكم فيما يتضمن الإيقاع، فأمَّا الالتزام (?) فلا، ولهذا لم يجعل الشافعي الإقرار بالكناية مع النية إقرارًا لأنه التزام، ومن هاهنا قال مَنْ قال من الفقهاء كالقَفَّال وغيره: إذا قال: "الطلاق يلزمني لا أفعل" لم يقع به الطلاق وإن نواه؛ لأنه كناية والكناية إنما يترتب عليها الحكم في غير الالتزامات، ولهذا لا تنعقد اليمين باللَّه بالكناية مع النية.
وأما أصحاب أحمد [فقد قال] (?) أبو عبد اللَّه بن بطة: كنت عند أبي القاسم الخرقي وقد سأله رجل عن أيمان البيعة، فقال: لست أفتي فيها بشيء، ولا رأيت أحدًا من شيوخنا يفتي فيها بشيء، قال: وكان أبي رحمه اللَّه -يعني أبا علي- يَهَابُ الكلام فيها، ثم قال أبو القاسم: إلا أن يلتزم الحالف بها جميع ما فيها من الأيمان، فقال له السائل: عَرَفها أم لم يعرفها؟ قال: نعم، ووَجْهُ هذا القول أنه بالتزامه لموجبها صار ناويًا له مع التلفظ، وذلك مقتضى اللزوم، ومتى وجد سبب اللزوم والوجوب ثبت موجَبُه وإن لم يعرفه، كما لو قال: إن شفى اللَّه مريضي فثلث مالي صدقة، أو أوصى (?)