أبا صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَعَن الله السَّارق, يسرقُ البيضةَ فَتُقْطعُ يَدُه, ويسرِق الحَبْل فتُقطعُ يَدُه. قال الأعمشُ: كانوا يَرَوْنَ أنه بَيْض الحديد, والحَبْل: كانوا يرون أنه مما يَسْوى دراهم. قُلتُ: تَأويلُ الأعمش هذا غَيرُ مطابقٍ لمذهب الحديث ومَخْرج الكلام فيه, وذلك أنه ليس بالسائغ في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه هذا الحديث من اللوم والتثريب: أخزى الله فلانا عَرَّض نفسه للتلف في مَالٍ له قدر ومزية, وفي عَرَض له قِيمة. إنَّما يُضْرَب المَثَل في مِثْلهِ بالشيء الوَتِح الذي لاوَزنَ له ولا قيمة, هذا عادة الكلام وحكم العرف الجاري في مثله.
وإنَّما وجه الحديث وتأويله: ذَمُّ السرقة وتهجينُ أمرِها وتحذيِرٌ سوءِ مغَبَّتها فيما قلَّ وكَثُرَ من الملا. يقول: إن سرقة الشيء اليسير الذي لاقيمة له كالبيضة المذرة, والحَبْل الخَلِقُ الذي لاقيمة له إذا تعاطاها المُسْتَرق, فاستَمرت بِه العادة لم يَنْشَبْ أن يؤديه ذلك إلى سَرِقَة مافَوقَها, حتى يبلُغ قَدْرَ مايقطَع فيه اليد, فتقطع يده. يقول: فَلْيَحذَر هذا الفعل وليتَوقّهْ قَبْل أن تَمْلِكَهُ العادة ويَمْرُنَ عليها ليسلم من سوء مغبته ووَخيمِ عاقِبتهِ.