لهم حصره كله باتفاق من إملاء الصحابة وإجماع من آرائهم حين لم يكن بقي للنسخ منه مترقب، ولا لشيء من أحكامه متعقب.
فإن قيل: إذا كان القرآن محفوظا في الصدور كما قلتموه فما كان حاجتهم إلى استخراجه من الأكتاف والعسب واللخاف التي لا وثيقة في أعيانها ولا أمان من وقوع الغلط والتبديل فيها؟ قيل: إنما فعلوا ذلك استظهارا وأخذا بالوثيقة في معارضة المكتوب منه في تلك النسخ بالمحفوظ في الصدور من حملته ولم يقنعوا بأن يقتصروا في ذلك على أحد الأمرين منهما دون الاستظهار بالآخر. / وقد يحتمل أن يكون ذلك من أجل أنه صلى الله عليه وسلم لما أرخص في القراءة بالأحرف السبعة وقال: "كلها كاف شاف". وقد اختلفت القراءات منهم على حسب اختلاف لغاتهم، فأشفقوا أن يخالف شيء منها في الخط والهجاء شيئا من المكتوب في النسخ الأول، فأحبوا أن يوفقوا بين الأمرين لئلا يخرج شيء من ذلك عن لغة قريش التي نزل بها القرآن لأنها هي الأصل والعمدة في التنزيل ولم يكن ذلك منهم أول مقدمة العلم بكونه قرآنا، فتكون المعرفة به مستفادة من جهة تلك النسخ فقط.