قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: مسيرَة بِالرَّفْع على أَنه مُبْتَدأ، ومني خَبره. وَالتَّقْدِير: بيني وَبَينه مسيرَة شهر.
[وَيجوز نَصبه] وَمثله: قَول الْعَرَب: هُوَ مني فرسخان وَيحْتَمل النصب على تَقْدِير: هُوَ مني على مسيرَة شهر فَلَمَّا حذف حرف الْجَرّ نصب.
(99) وَفِي حَدِيث أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله مَا آنِية الْحَوْض؟ قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لآنيته أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء " وَذكر الحَدِيث.
(أ) الْإِشْكَال فِيهِ: أَنه سَأَلَ " بِمَا " عَن الْآنِية. فَأَجَابَهُ بِالْعدَدِ. وَحَقِيقَة السُّؤَال ب " مَا " أَن يتعرف بهَا حَقِيقَة الشَّيْء لَا عدده. وَفِيه جوابان:
أَحدهمَا: أَن يكون تَقْدِيره: مَا عدد آنِية الْحَوْض؟ فَحذف الْمُضَاف، وَجَاء الْجَواب على ذَلِك، وَأَن عَددهَا غير مَحْصُور بل أَكثر من نُجُوم السَّمَاء.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن يكون الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يعلم الْآنِية من أَي شَيْء هِيَ؟ فَعدل عَن سُؤَاله إِلَى بَيَان كثرتها، وَفِي ذَلِك تفخيم لأمرها، وتنبيه على تَعْظِيم شَأْنهَا.
وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رب الْعَالمين} . فَقَالَ: {رب السَّمَوَات وَالْأَرْض} فَعدل عَن حَقِيقَة جَوَاب السُّؤَال إِلَى مَا هُوَ مَعْلُوم يحصل بِهِ الْغَرَض.
(ب) وَفِي آخر هَذَا الحَدِيث: " آنِية الْجنَّة من شرب مِنْهَا لم يظمأ آخر مَا عَلَيْهِ " قَوْله: آخر مَا عَلَيْهِ مَنْصُوب على الظّرْف. وَالتَّقْدِير: لم يظمأ " أبدا ". وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر بِهَذَا اللَّفْظ، وَالْمعْنَى: لم يظمأ ذَلِك الشَّارِب إِلَى آخر مُدَّة بَقَائِهِ، وَمَعْلُوم أَنه يبْقى أبدا فَيكون مَعْنَاهُ لم يظمأ أبدا.