هو كلما كان أدنى إلى البلاغة كان نصاً في معناه، ثابتاً في حَيزهِ، تجمد الكلمة أو الجملة على معنى بعينه قد يستقيم وقد ينتقِص، وكيفما قلبته رأيته وجهاً واحداً وصفةَ واحدة؛ لأن الفصاحة لا تكون في الكلام إلا إبانة، وهذه لا تفصح إلا بالمعنى المتعين؛ وهذا المعنى محصورَ في غرضه
الباعث عليه.
وأكبر السبب في ذلك أن هذا القرآن الكريم ليس عن طبع إنساني محدود بأحوال نفسية لا يجاوزها، فهو يداورُ المعاني، ويريغ الأساليب ويخاطبُ الروحَ بمنطقها من ألوان الكلام لا من حروفه، وهو يتألف الناس بهذه الخصوصية فيه، حتى ينتهي بهم مما يفهمون إلى ما يجب أن
يفهموا، وحتى يقف بهم على نص اليقين ومقطع الحق؛ وتراه في أوضاعه من أجل ذلك يستجمع درجات الفهم كان فيه غاية لكل عقل صحيح، ولكنه في نفسه وأسرار تركيبه آخرُ ما يسمو إليه فهم الطبيعة نفسها؛ بحيث لو هو علا عن ذلك لخفي على الناس، ولو نزل عن ذلك لما ظهر في
الناس، لأن علوه يَفوت ذرعَهم، ونزولهُ يوجدهم السبيل إلى معارضته ونقضه، وكلا هذين يجعل أمره عليهم غمةَ فلا يتجهون إلى صواب.
وإنَّما هو في نفسه وفي أفهام الناس كما وصفه الله " الحق والميزان "
كل الناس يعملون لفهمه ويَدأبون عليه، ولكل درجات مما عملوا.
***