ومذهب آخر لطائفة من المتأخرين: وهو أن وجه الإعجاز ما تضمنه القرآن من المزايا الظاهرة والبدانع الرائقة، في الفواتح والمقاصد والخواتيم في كل سورة وفي مبادئ الآيات
وفواصلها قالوا: والمعول على ثلاث خواص:
(1) الفصاحة في ألفاظه كأنها السَّلسال.
(2) البلاغة في المعاني بالإضافة إلى مضرب كل مثل ومساق كل قصة وخبر في الأوامر والنواهي وأنواع الوعيد ومحاسن المواعظ والأمثال وغيرها مما اشتمل عليه؛ فإنها مسوقة على أبلغ سياق.
(3) صورة النظم، فإن كل ما ذكره من هذه العلوم مَسُوق على أتم نظام وأحسنه وأكمله.
ومحصل هذا المذهب أن الإعجاز في القرآن كله لأن القرآن كله معجز. . وهو معجز لأنه
ولجماعة من المتكلمين وأهل التقسيمات المنطقية على اختلاف بينِهم شُبَة ومَطاعن يوردونها على القرآن. وهي نحو عشرين وجهاً، كلها سخيف ركيك وكلها واهٍ مضطرب، وكلها غَث بارد،
منها قولهم: إن معارضته التي يُقطع بأنها مستحيلة، حاصلة فعلاً: فإن الله يقول: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)
قالوا: وكل من قرأ سورة منه فقد أتى بمثلها، أي لأن
من قرأها مثل التي هي في المصحف حرفاً حرفاً لا تختلف ولا تزيد ولا تنقص. . . فصار الإعجاز عند العلماء من المتأخرين يثبت بنفي هذه الشبَه ونقضها، لأن سقوط الشبهة الواردة على الدليل،
هو نفسه دليل صحته.
وهذا برهان لم يكن لهم بدَّ منه؛ فإن إنكار الإعجاز لم يقل به أحد من المتأخرين؛ وإنَّما وقع إليهم على هيئته في كتب الكلام وكتب التفسير التي يدرسونها؛ فهو رأيْ ميت، لو أنكروه
بكل دليل في العلم لم يزده ذلك موتاً في الأرض ولا في السماء.
تلك هي أصولُ الأدلة لمن يقولون بالإعجاز، لا نظن أنه فاتنا منها شيء إلا أن يكون