أيضاً من القول بالصرفة، وإن كان قد أخفاها وأومأ إليها عن عُرض، فقد سرد في موضع من كتاب (الحيوان) طائفة من أنواع العجز، وردها في العلة إلى أن الله صرف أوهام الناس عنها ورفع
ذلك القصد من صدورهم، ثم عد منها: " ما رَفعَ من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة لقرآنه بعد أن تحداهم الرسول بنُظمه "
وقد يكون استرسل بهذه العبارة لما في نفسه من أثر إستاذه،
وهو شيء ينزل على حكم الملابسة، ويعتري أكثر الناس إلا من تنبه له أو نبه عليه، أو هو يكون ناقلاً، ولا ندري.
. . . وبعض الفِرَق، فإنهم يقولون: إن وجه الإعجاز في القرآن هو ما اشتمل عليه من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم، في مطالعه ومقاطعه وفواصله؛ أي فكأنه بدعٌ من ترتيب الكلام لا أكثر.
وبعضهم يقول: إن وجه الإعجاز في سلامة ألفاظه مما يَشين اللفظَ: كالتعقيد والاستكراه ونحوهما مما عرفه علماء البيان، وهو رأي سخيف يدل على أن القائلين به لم يُلابسوا صناعة المعاني.
وآخرون يقولون: بل ذلك في خُلُؤه من التناقض واشتماله على المعاني الدقيقة.
وجماعة يذهبون إلى أن الإعجاز مجتمع من بعض الوجوه التي ذكرناها كثرة أو قلة، وهذا الرأي حسن في ذاته، لا لأنه الصواب، ولكن لأنه يدل على أن كل وجه من تلك الوجوه ليس في نفسه الوجه المتقبَّل.
أما الرأي المشهور في الإعجاز البياني الذي ذهب إليه عبد القادر الجُرجاني صاحب (دلائل الإعجاز) المتوفى سنة 471 هـ (وقيل 474 هـ) فكثير من المتوسمين بالأدب يظنون أنه أول من
صنف فيه ووضع من أجله كتابه المعروف، وذلك وهم، فإن أول من جوَّد الكلام في هذا المذهب وصنف فيه، أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي المتولى سنة 306 هـ، ثم أبو عيسى الرمّاني المتوفى سنة 382 هـ، ثم عبد القادر، وهذا الرأي كان هو السبب في وضع علم البيان، كما نبسطه
في موضعه من تاريخ آداب العرب إن شاء الله.