بعد أن رأى الصحابة رضي الله عليهم حاجة الناس إلى هذا العلم الذي هو علم الاعتقاد لم يسكتوا، بل علموه تلامذتهم وأولادهم وأحفادهم، ورسخوه في قلوبهم خوفاً عليهم من الفتن والتغير بالشبهات، فتتلمذ عليهم تلامذة كثر، وتلقوا عنهم هذا العلم الجم في المدينة والكوفة والشام ومكة وغيرها، وتلامذتهم قاموا مقامهم، ومن أشهر التلامذة في المدينة الفقهاء السبعة الذي اشتهروا بهذا الاسم، نظمهم بعض العلماء بقوله: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه هؤلاء السبعة هم فقهاء المدينة وأكثرهم من قريش، وفيهم من ليس من قريش، وفيهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من هذيل، وعروة بن الزبير وهو من أكابر قريش، وقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب من بني مخزوم من أكابر قريش، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فجده الحارث بن هشام أخو أبي جهل من بني مخزوم، ومن الموالي سليمان بن يسار، وخارجه بن زيد بن ثابت من الأنصار.
هؤلاء تلامذة للصحابة وهم قدوة لمن بعدهم، ولم يدخلوا في شيء من البدع، ولم ينقل عنهم شيء من المخالفات، بل هم من حملة العقيدة، ومن الذين بلغوا العلم ونفع الله تعالى بعلمهم نفعاً كبيراً.
وبالكوفة أيضاً تتلمذ على ابن مسعود رضي الله عنه تلامذة أفذاذ علماء أخذوا عنه واختصوا بالعلم به العلم الصحيح، وذلك لأن عمر رضي الله عنه أرسله إلى الكوفة لما رأى الجهل العميق في المسلمين الجدد في العراق، فأرسله وآثرهم به على نفسه، ولا شك أنه رضي الله عنه كان محترماً عندهم موقراً، وذلك لطول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فنفع الله به، وتتلمذ عليه خلق كثير من فقهاء التابعين بالكوفة يعرفون بأصحاب ابن مسعود، وعليهم يعتمد أيضاً الفقهاء هناك أتباع أبي حنيفة، فمن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه هناك علقمة، والأسود، وعبيدة السلماني، وإبراهيم النخعي، ونحوهم من حملة العلم.
وهكذا أيضاً تتلمذ على أنس بن مالك في البصرة علماء أجلاء، ومن أشهرهم الحسن بن أبي الحسن، وهو الحسن البصري رحمه الله، فما أعظم أثره على المسلمين، وما أكثر الذين تأثروا به وانتفعوا، فقد نفع الله تعالى به ورزقه علماً جماً.
وكذلك محمد بن سيرين، وسيرين كان مولى لـ أنس أعتقه، ولما أعتقه رزق الله سيرين بأولاد علماء، منهم أنس بن سيرين، سماه باسم مولاه، ومحمد بن سيرين، وحفصة بن سيرين، فهؤلاء أيضاً نبغوا في ذلك الزمان فنفع الله بهم.
فنعرف بذلك أن التابعين رحمهم الله قد حفظوا السنة والعقيدة، وتلامذة الصحابة أخذوا عن الصحابة رضي الله عنهم، وكيف لا يكونون أئمة مقتدىً بهم وهم قد تلقوا العلم عن معدنه الأصلي الذي هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وغيرهم كثير، وفي مكة أيضاً علماء أجلاء، كـ عطاء بن أبي رباح تلميذ عبد الله بن مسعود، وفي اليمن طاوس بن كيسان تلميذ ابن عباس قرأ عليه لما كان في اليمن وحفظ عنه كثيراً، وكذلك أيضاً في كثير من البلاد تلامذة للصحابة حفظ الله بهم العلم، ومثل هؤلاء يعتبرون أيضاً قدوة، لذلك كان التابعون في المرتبة الثانية بعد الصحابة.