قال المصنف رحمه الله: [من عقيدة أهل السنة والجماعة قبول ما نطق به كتاب الله تعالى] .
قوله: [قبول] دل على أن كتاب الله تعالى هو حجتنا وهو دليلنا، فكتاب الله هو الذي أورثناه الله تعالى، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32] ، فالذين ورثوه هم المصطفون، وهم خيرة الله من خلقه، وصفوته، فمن عقيدتهم أنهم يقبلون كل ما نطق به، وأنهم لا يردون شيئاً، سواءٌ أكان رداً صريحاً بالتكذيب به بأن يقولوا: هذه السورة ليست من القرآن، وهذه لم يتكلم بها الله، وهذه مكذوبة، وهذه الآية زائدة ليست من القرآن بل أضافها إليه الكتاب أم نحو ذلك؛ فإن من كذب بكلمة من القرآن فقد كذب به كله، أي: حكمه حكم من كذب به؛ لأن كل كلمة متحققة الثبوت، والقرآن كله نقل نقلاً متواتراً، فلا يحق لأحد أن يرد منه كلمة، كما لا يحق لأحد أن يزيد فيه حرفاً أو يضيف إليه كلمة، وقد تكفل الله تعالى بحفظه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، فمن عقيدة أهل السنة الإقرار والاعتراف والقبول بكل ما جاء في كتاب الله تعالى.
وعبر بالنطق وكأن القرآن ينطق، فهم يقولون بأن كتاب الله ينطق بكذا وكذا وقد تقول: إننا نمسك القرآن الذي هو المصحف ومع ذلك لا يتكلم! ولكن الموجود في داخله مكتوب بالحروف العربية الواضحة، فإذا قرأتها فكأنه نطق لك القرآن وأوضح لك، فيقال: نطق القرآن بكذا.
أي: احتوى على كذا واشتمل على كذا وكذا.
فذكر -مثلاً- أركان الإسلام، وذكر في القرآن الحدود، والبعث والنشور، والأسماء والصفات، هذا كله مما نطق به القرآن، ووظيفتنا أن نقبل ذلك.
قال رحمه الله تعالى: [وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
خص ما صحت به لأن هناك أحاديث لم تصح ولا رويت بأسانيد ولكن فيها ضعف فلا ندخلها في العقيدة، ولا ندخلها في الشريعة إذا كانت غير صحيحة أو غير مقبولة، إنما نقبل ما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يشترط الإسماعيلي رحمه الله أن تكون متواترة بل أجمل ذلك، وإن لم تبلغ حد التواتر، فلو صحت وكانت من الآحاد فإنها مقبولة ونقول بها إذا ثبتت وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقول: [ولا نعدل عما ورد به، ولا سبيل إلى رده] .
قوله: [لا نعدل] ضبط بلفظ [لا معدل] يعني: لا عدول.
أي: لا يجوز لك أن تعدل عما ورد في القرآن والسنة، ولا يحق لك أن تتركه جانباً، بل إذا عرفت أنه ثابت في كتاب الله تعالى وصحيح في سنة رسوله فإن عليك أن تقول به وأن تنطق به وأن تعتقده ولو خالفك من خالفك، ولو كثر الذين ينكرون عليك، فإن دليلك دليل قوي، دليلك كتاب الله الذي هو أصح ما جاء عن الله تعالى فيما بين أيدينا، ودليلك أيضاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة القوية، فلا تعدل عما ورد به ولا سبيل لك إلى رده.
قوله: [لا سبيل إلى رده] بمعنى أنه ليس لأحد مسلك أو سبيل إلى أن يرد شيئاً مما جاء في هذه السنة أو الآيات، بل من رد شيئاً منها فكأنه رد الجميع.
قال: [إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة] في قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف:3] ، والسنة منزلة كما أن القرآن منزل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة.
فهم مأمورون باتباع الدليلين: الكتاب والسنة.
والأمر من الله، فإذا كان الأمر من الله تعالى فإنه يجب امتثاله.