أما الفخر والتكبر والعجب فهذه معاصٍ يتصف بها بعض الناس فتوقعه في الترفع، فالفخر محرم، وهو فعل من أفعال الجاهلية، ورد في الحديث قوله: (إن الله حرم عليكم عُبية الجاهلية وفخرها بالأباء) ، كانوا يتفاخرون بأفعال الأباء، يقول أحدهم: آباؤنا الذين فعلوا، وآباؤنا الذين قتلوا وسلبوا وصبروا.
فيفتخرون بمآثر آبائهم مع أن آبائهم قد ماتوا وصاروا إلى ما صاروا إليه.
كذلك أيضاً في الإسلام لا يفتخر الإنسان بأفعال من سبقه، حتى يقول بعضهم: إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولد أي أنك لا ينفعك إلا أن تعتز بأفعالك أنت لا بأفعال من سبقك، مع أن الإنسان عليه أن يتواضع، وأن يتذلل، وأن يصغر نفسه، وأن لا يفتخر على الناس.
والتكبر قريب من الافتخار، وهو الإعجاب بالنفس والترفع عن الناس واحتقار الآخرين وازدراؤهم، وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) ، (بطر الحق) يعني: رده (غمط الناس) يعني: احتقارهم.
بأن يرى الناس كأنهم صغار بالنسبة إليه، ويرى نفسه أرفع منهم رتبة وأعلى منهم منزلةً، ويفرض عليهم -مثلاً- أن يقوموا له وهو جالس، وأن يحترموه ويقدروه ويوقروه ولو لم يكن أهلاً، ويسخط على من لم يفعل ذلك، ويفرض نفسه أكبر من غيره، ولا شك أنه يتكبر على الله، والمتكبر يتكبر على الله تعالى، لذا نقول للمتكبر: تذكر عظمة الله تعالى وتذكر حقارة الإنسان.
ذكروا أن بعض المتكبرين حضر عند أحد العلماء الذين في مجلس يذكر فيه ويعظ، وقد عرفه ذلك العالم، فقال له ذلك المتكبر: وحيك أما تحترمني؟ أما تعرف من أنا؟ فقال: نعم أعرفك، أنت الذي أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفه قذرة، وحشوك بين ذلك بول وعذرة.
يعني: لا ترفع نفسك فإن هذه صفتك، هذا مبدؤك وهذا منتهاك، فكيف تتكبر؟! أما العجب فالمراد به الإعجاب بالنفس، وذلك بأن تعجبه أفعاله، فعند ذلك يرى أن هذا الإعجاب سبب في نجاته وفلاحه وفوزه، ولا يجوز للإنسان أن يعجب بنفسه، بل عليه أن يحقر نفسه ولو بلغ ما بلغ، ولو كان عالماً جليلاً، أو عابداً كبيراً، بل يتصاغر ويتواضع ويتذلل لله تعالى، ولا تعجبه أعماله ولا يفتخر بها، ولا يقول: أنا الذي عملت كذا وكذا.
فيمدح نفسه بصلاته وبتهجده وبقراءته، فيكون إعجابه هذا سبباً في إحباط أعماله.
أما الخيانة فهي خصلة ذميمة، وهي من خصال المنافقين، وصف النبي صلى الله عليه وسلم المنافق بقوله: (وإذا اؤتمن خان) ، وقد تكون الخيانة عامةً في الودائع والأمانات، وكذلك في الأعمال التي يؤتمن عليها الإنسان، والتوسع فيها لا يحتاج إليه.
والدغل فسره بأنه الشر، وهو كون الإنسان في قلبه غل على إخوانه وحقد عليهم وبغضاء، فينهى عن ذلك، ويؤمر الإنسان بأن يكون سليم الصدر محباً لإخوته ولو فعلوا ما فعلوا، فلا يكون في قلبه غل ولا حقد ولا شنآن ولا بغضاء، قال الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:2] .
أي: لا يحملنكم بغضهم على أن لا تعدلوا.
والسعاية فسرها بأنها النميمة، ويسمى النمام ساعياً، وهو الذي يسعى بين الناس بالنميمة ليفسد بينهم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أسباب عذاب القبر في قصة ذلك الذي يعذب في قبره، قال: (كان يمشي بالنميمة) ، وورد فهيا أيضاً أحاديث كثيرة تدل على عظم الذنب بها، حتى قال: (يفسد النمام في الساعة أكثر مما يفسد الساحر في السنة) .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرون كف الأذى وترك الغيبة] .
كف الأذى عن الناس يعني أن تكف عنهم أذاك.
حتى قال النبي عليه السلام في حديث أبي ذر لما قال له: فإن لم أجد؟ قال: (تكف أذاك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك) ، والغيبة تفسيرها بأنها ذكرك أخاك بما يكره.
أي: أن تذكره في حال غيبته بشيء لو كان حاضراً لما ذكرته به، فبذلك تكون مغتاباً له، وقد عَدَّ الله تعالى الغيبة ذنباً كبيراً، حتى قال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات:12] يعني أن المغتاب كأنه يأكل لحم أخيه ميتاً.
ويرخص في غيبة من أظهر بدعة وهو يدعو إليها، فالقول فيه ليس بغيبة، ولذلك يقولون: لا غيبة لفاسق، ولا لمعلن ومجاهر، فإذا جاهر إنسان بمعاصٍ أو ببدع فإن ذكره ليس بغيبة، وكذلك ذكر معايبه، وقد تكلم علماء الحديث في الرواة الذين رووا الحديث، فذكروا أن فلاناً غير ثقة، وأن فلاناً كذاب، وأن فلاناً سيئ الحفظ، مع كونهم قد ماتوا، ولم يعدوا ذلك من الغيبة بل جعلوه من النصيحة، وذلك لأنهم حملوا هذا العلم وليسوا أهلاً له، فلا بد أن نبين مراتبهم حتى يعرف من يكون أهلاً لحمل العلم وقبول الرواية ومن ليس كذلك، ذكروا ذلك في علم الجرح والتعديل.