من الأدلة ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة: (حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله) .
وفي رواية: (أنه يأتي النساء وما يأتيهن) .
وهذا العمل الذي عمله هذا اليهودي الذي يقال له: لبيد بن الأعصم لم يكن في جسم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عقله؛ فإن الله تعالى قد عصمه وحفظه، ولكنه فيما يتعلق بالنساء، عمل عملاً كأنه صار حائلاً بين المرء وبين نسائه بأن يخيل إليه أنه يأتيهن وما يأتيهن، أو حال بينه وبين القدرة الجنسية، والله أعلم.
فالحاصل أن هذا مما أثر فيه هذا السحر، فلما دله الله تعالى على موضع ذلك السحر وأخرجه بطل عمله وقام كأنما نشط من عقال، وقال: (إن الله تعالى قد شفاني) ، فلذلك استدل به على أنه قدر يؤثر في هذا النوع، وهذا أيضاً مشاهد أن السحرة يعملون من السحر ما يبطلون به شهوة الرجل حتى لا يستطيع أن يأتي امرأته، وإذا قرب منها بطلت شهوته.
ومن ذلك أيضاً الحديث الذي أورده ابن كثير ورواه ابن جرير عن عائشة أن امرأة جاءتها بعدما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت لها أن زوجها غاب عنها، فجاءتها عجوز فقالت لها: أتحبين أن يرجع زوجكِ؟ قالت: نعم.
تقول: فجاءتني بالليل وأركبتني، وركبت وإياها على كلبين أسودين، فلم يكن إلا قليل حتى كنا ببابل، فأتينا إلى إنسانين في ذلك المكان، وقلت: إني أريد أن أتعلم السحر.
فقالا: إنما نحن فتنه فلا تكفري.
فقلت: إني أريد أن أتعلم.
فقال لها: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه.
تقول: ففعلت.
فخرج منها شيء أسود فصعد في السماء، فقالوا: صدقتِ، هذا هو الإيمان خرج منكِ.
ثم إنهم علموها.
تقول: فأعطتني حباً أو قمحاً فقالت: ابذريه في الأرض.
فقلت: انبت فنبت، فقلت: انضج.
فنضج، فقلت: انطحن فانطحن.
فلما رأيت أني لا آمر بشيء إلا حصل سقط في يدي.
فهذه المرأة تعلمت من هذين هذا الأمر، وهو أنها لا تأمر بشيء إلا حصل، وهذا نوع مما يدل على أن للسحر حقيقة.
وأما وقائع الناس فهي شيء كثير وهو أمر مشاهد.