في الدنيا سحر وسحرة، والسحرة محكوم بكفرهم، ومن اعتقد أن السحر يكون بغير قدرة الله أو بغير إذنه فقد كفر.
وسبب ذكر السحر في هذه العقيدة أن المعتزلة أنكروا وجوده إنكاراً عجيباً وعناداً منهم، وإلا فإنه مشاهد وجود السحرة ووجود أعمالهم السحرية، ولذلك فأهل السنة يقرون بوجود السحر، ويقولون: إنه لا يكون إلا بإذن الله الكوني القدري.
وقد دل على وجوده وتأثيره الكتاب والسنة، فقد ذكر الله تعالى ما يحصل من الشياطين وتعليمهم السحر في قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] ، فلا شك أن هذه الآية صريحة في أن هناك سحراً، وأنه يؤثر ويضر، وأن منه ما يقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه، ولكن الجميع بإذن الله تعالى الكوني القدري لا الشرعي الديني.
فإن الله تعالى حرم الإضرار بالمسلمين ديناً وشرعاً، ولكن أعطى هؤلاء السحرة قدرة خاضعة لقدرته تعالى يؤثرون بها في هؤلاء المسحورين، فمن السحر ما يحصل به الموت، ومنه ما يمرض، أو يحصل به الانصراف الكلي عن الزوجة أو الأهل أو المال أو ما أشبه ذلك.
ومن الأدلة أيضاً أمر الله تعالى بالاستعاذة من السحرة في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:4] ، وهن السواحر، فلولا أن لهن شراً يضر ويؤثر لما أمر بالاستعاذة من شرهن.
والذين قالوا: إنه ليس له حقيقة استدلوا بما حكى الله تعالى عن سحرة فرعون قال تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:66-69] .
ذكروا أن السحر كان منتشراً وفاشياً في عهد فرعون، وأن هناك سحرة مشهورين بتعلم السحر، فلما أخبرهم فرعون بأن موسى قلب عصاه حية تسعى عند ذلك جاؤوا بحبال وبعصي فألقوها في الوادي، وإذا بالوادي كله كأنه حيات تضطرب وتسعى، فعند ذلك أوجس في نفسه خيفة موسى، فذكر العلماء أن هذا خيال، ولذلك قال: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) ، يعني: ليس له حقيقة وإنما هو خيال.
وذلك لأن السحرة قد يلبسون على أعين الناظرين فيوهمونهم بما لا حقيقة له، ويخيلون إليهم أشياء يعتقدون أنها حقيقة وهي خيالات، هذا معنى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] .
وعلى كل حال فالوجود ظاهر في أن السحر له حقيقة.