لكل أجل كتاب، ولكل إنسان أجل، فما من نفس منفوسة إلا وقد علم الله تعالى قبل خلقها أجلها وعملها.
وسعادتها أو شقاوتها، وحياة عاجلة أو آجلة، وحياة سعيدة أو تعيسة، قد علم الله ذلك كله، ولأجل ذلك أخبر تعالى بأنه كتب الآجال والأعمار ولا يتغير ما كتبه.
يقول الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] ، نزلت هذه الآية في غزوة أحد، وذكر الله تعالى عن المنافقين بعض الكلمات التي قالوها، كقولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:154] يتلومون لما رأوا أنه قتل بعض منهم في غزوة أحد، وقالوا: لو أخذوا رأينا لجلسنا في بيوتنا ولتحصنا في دورنا ولم نتعرض للقتل، فنحن الذين فرطنا فخرجنا ولاقينا هذا العدو فقتلوا منا من قتلوا، وسفكوا دماءنا، ولو أننا امتنعنا من الخروج لسلمنا من هذا القتل.
هكذا حكى الله عنهم.
ثم قال: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] ، فالله تعالى قد كتب القتل على هؤلاء الذين قتلوا، فلو تحصنوا ثم تحصنوا فإنه لابد أن يخرجوا ويقتلوا في المكان الذي حدد الله وعلم بأنهم سيقتلون فيه ولا يتجاوزنه.
ومثله قوله تعالى في سورة النساء لما كتب الله عليهم القتال حكى الله عنهم أنهم قالوا: {رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:77] ، ثم قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ولو تحصنتم بما تحصنتم به، فمن كتب الله عليه الموت في الوقت المحدد فإنه سيموت فيه، ومن كتب موته بشيء فإنه يموت به، ومن كتب الله أن موته يصير بقتل أو بضرب فلابد أن يحصل، أو بمرض كذا وكذا فلابد أن يحصل، فلابد أن يتحقق الموت الذي حقق الله تعالى وحدد أجله، يقول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] .