قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرون الدار دار الإسلام لا دار الكفر كما رأتها المعتزلة، مادام النداء بالصلاة والإقامة ظاهرين وأهلها ممكنين منها آمنين] .
أهل السنة يعتبرون أن البلاد بلاد إسلام مادام أن فيها المساجد والمؤذنين، ومن يقيمون الصلاة، ولو كان فيها معاصٍ كخمور ومزامير وأغانٍ وملاهٍ وتماثيل وما أشبه ذلك، فإنهم يحكمون بأن البلاد بلاد إسلام، فلا يجوز استحلالها، ولا استباحة محارمها، ولا قتال أهلها ولو غلب أو كثر فيهم الفسوق والفساد، وإنما يقتصرون على الدعوة والسعي في الإصلاح، وتسمى (دار إسلام) .
أما المعتزلة فإنهم يكفرونها، ويرون أنها دار كفر إذا ظهر فيها عندهم شيء من الكفر، هكذا يدعون، إذا ظهر فيها شيء من المعاصي اعتبروها دار كفر، واعتبروا أهلها كفاراً، وحكموا بالأكثرية أو بالأمكنية، وهذا خلاف معتقد أهل السنة أن الدار دار الإسلام ولو حصل فيها ما حصل من الخلل.
وإذا اعتبرت دار كفر فمعناه أنه يقضى على المساجد التي فيها وعلى الكتب؛ إذ قد يكون فيها كتب إسلامية ومصاحف وما أشبه ذلك، وكثير الآن من البلاد يظهر فيها شيء من شعائر الكفر، وإن لم تكن تتصور فيما سبق، وذلك مثل أن يرخص في الزنا مادام أن المرأة حرة في نفسها وموافقة، فيقولون: لها الحرية أن تبذل نفسها ولا شك أن هذا مخالف للشرائع الإسلامية، ولكن لا تصل البلاد التي يظهر فيها ذلك إلى أنها بلاد كفر تغزى وتقاتل.
وكذلك إظهار بيع الخمور، حيث يوجد في كثير من البلاد أنهم يذيعون بيع الخمور علناً، فضلاً عن شربها، فهذه البلاد أيضاً لا تصل إلى كونها بلاد كفر، ما دام أن فيها مصلين ومساجد ومؤذنين، وأنهم يتسمون بالإسلام، وأن في مساجدهم مصاحف وكتب إسلامية وما أشبه ذلك.
وكذلك لو وجد فيهم محاكم غير شرعية يحكمون بالقوانين الوضعية ونحوها، فنقول: الحكم بالكفر على ذلك الشخص الذي يتولى هذا الحكم ولا نحكم على البلاد كلها، بل نقول: البلاد بلاد إسلام.
ونعتبرها دار إسلام لا دار كفر خلافاً للمعتزلة، إذا كان فيها نداء بالصلاة والإقامة لها إذا كان ذلك ظاهراً وأهل الصلاة يتمكنون، أما لو عدمت هذه الأشياء فإنها تصبح دار كفر إذا رأينا أن هذه البلاد هدمت فيها المساجد، وأحرقت فيها المصاحف وكتب الإسلام، ومنع الذي يرفع صوته بالإسلام، ومنع الذي يصلي، ومن رأوه يصلي قتلوه أو سجنوه، وأبيح فيها الكفر، وعبدت فيها الأوثان، وأظهر فيها الشرك، وحكم فيها بغير شرع الله تعالى، ومنع فيها من يظهر الإسلام أو يتكلم به، فإنها تصبح دار كفر.