إن من يبغض الصحابة يحكم عليه بالكفر؛ لقوله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] ، فمن غاظه مكانهم من الله، ومن غاظه سبقهم وفضلهم ومزاياهم خيف عليه أن يدخل في هذه الآية: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) .
فيقال للذين قد غاظهم مكانهم: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:119] ، فإن الله تعالى قد رفع مكانة صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعل لهم المحبة والمودة في قلوب المؤمنين، وحفظ بهم هذا الدين، وجعلهم خلفاً بعد نبيه صلى الله عليه وسلم، فحفظوا على الأمة الإسلامية الدين، وحفظوا القرآن ودونه من حفظه منهم، وبثوه وكتبوه في المصاحف، وفسروه للأمة وبينوه، وحفظ بهم السنة والشريعة، فحفظها على من بعدهم، وجعل الله في قلوبهم المحبة للإسلام ولأهله، فنصحوا للمسلمين وبلغوهم الشريعة الإسلامية، وحرصوا على أن يكونوا دعاة إلى الله تعالى، فبذلوا في نصحهم لإخوانهم المسلمين النفس والنفيس، وتركوا بلادهم وأولادهم وأموالهم وغزوا في سبيل الله، وتعرضوا للقتل وللأذى وللتعب كل ذلك لنصر الإسلام ولنشره في ربوع البلاد الإسلامية، وللقضاء على الكفر والفسوق والعصيان والبدع.
فكيف مع ذلك يطعن فيهم؟! وكيف يدعى بأنهم كفار ومرتدون؟! فإذا كانوا مرتدين وكفاراً ولم يبق على الإسلام منهم إلا أفراد قلة، فمن الذي حفظ لنا الإسلام؟! ومن الذي نقل لنا القرآن؟! ومن الذي نقل لنا السنة؟! ومن الذي نقل لنا العبادات من الصلوات والزكوات والصيام والحج والجهاد والبيع والشراء والتجارة والحلال والحرام والأحوال الشخصية والعقود والجنايات والآداب والأخلاق؟! ما نقلت إلا بواسطتهم، فإذا كانوا كفاراً فإن هذه تكون باطلة ولا نكون على دين، ولا يكون هناك دين إسلامي.
فالذين طعنوا في القرآن وادعوا أنهم حذفوا منه الثلثين أو أكثر معناه أن الله ما حفظ على الأمة إسلامها، وما قامت الحجة على المتأخرين، مع أن الله تعالى يقول: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] ، فإذا لم يكونوا ثقات عدولاً فمن الذي حفظ لنا الإسلام؟! إذاً لا نكون على إسلام صحيح.
وكذلك حفظوا السنة حتى دونت في الصحيحين والسنن والمسانيد والمجاميع والكتب، حفظوها حتى دونت ورويت عنهم بالأسانيد الصحيحة، فإذا كانوا كفاراً أو مرتدين فمعناه أن هذه الثروات الكبيرة التي هي هذه الأحاديث النبوية غير صحيحة؛ لأنها نقلت عن هؤلاء الذين هم مرتدون على حد تعبير خصومهم، فبطلت بذلك السنة بأكملها، ولاشك أن هذا طعن كبير في هذه الشريعة الإسلامية.
ثم إذا اتفقنا على أن الله تعالى حفظ القرآن كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فإن هذا القرآن الذي حفظه إنما جاء بواسطتهم.