سبب ذكر الخلافة الراشدة في العقيدة مع أنها واقع تاريخي أن الخلاف فيها وقع مع الرافضة الذين ينكرون خلافتهم، بل في الطعن فيهم، أي: في ثلاثة منهم.
بل تعدى ذلك إلى تكفيرهم وشتمهم وعيبهم وسبهم من قبل هؤلاء الرافضة، وكان سبب ذلك أن علياً رضي الله عنه لما كان في العراق كان حسن السيرة محبوباً عند أهل البلد بحسن سيرته وبما له من الآثار، حتى حمل ذلك كثيراً منهم على الغلو فيه إلى أن ادعوا أنه إله، كما فعل الذين أحرقهم حينما سجدوا له.
ثم زادت محبتهم له لما كان في خلافة بني أمية بعض الأمراء الذين يسبونه ويتبرؤون منه، وذلك في إمارة الحجاج الذي تولى العراق نحو عشرين سنة أو أكثر، وكان مبتلى بالبغض لـ علي رضي الله عنه، فكان في المنبر يعلن سبه أمام الناس، ولا شك أن هذا مما يحزن أولئك المتشيعين له، فكلما سمعوه يشتمه أمام الناس على المنبر فلابد أن يحز في نفوسهم ويقلقهم ويفزعهم ذلك؛ لأنهم يحبونه، فلابد أنهم كانوا يجلسون مجالس خاصة ويتبادلون فيها سيرة علي ويتحدثون فيها عن فضائله، ولابد أنه يدخل بينهم من يريد الغلو فيه حتى يطمئنهم إلى محبته، ويبين لهم خطأ هذا الأمير الذي يسبه ويشتمه.
فكان ولابد من وقوع الكذب في فضائله، فكان أولئك المتشيعون له يكذبون ويبالغون في الكذب، ويصفونه بصفات أرفع من صفات الخلفاء كلهم، بل قد تصل إلى صفات الأنبياء، بل قد تصل إلى صفات الرب تعالى، يصفونه بأنه يفعل كذا ويعلم كذا ويتصرف في كذا، وأنه الذي له الولاية وله وله، فإذا سمع هذه الأكاذيب تلامذتهم وصغارهم فلابد أن يستنكروا أو يستغربوا أمرهم ويقولوا لهم: كيف حاز هذه الفضائل؟ وكيف وصل إلى هذه الرتبة؟ وكيف صار أهلاً لهذه الصفات والسمات العالية الرفيعة ومع ذلك تقدم عليه بالخلافة فلان وفلان، أليس هذا تنقصاً له؟ أليس هذا افتراء عليه؟ فلو كان -كما تقولون- بهذه الصفات وهذه الخلال الرفيعة لما كان أحد يتقدمه.
فكان هذا مما أحقدهم على الخلفاء الراشدين، فقالوا: لابد أن نسكت جهالنا، ونعتذر لهم فندعي بأن الخلفاء الثلاثة مغتصبون كذبة لا حق لهم في هذه الخلافة، وأنهم احتقروا علياً واغتصبوه حقه الذي هو الولاية الحقة، وأنه هو الوصي والولي والإمام والمقدم، ولكنهم احتقروه واستصغروه، فولوا عليه فلاناً ثم من بعده فلاناً.
فلم يجدوا بداً من أن يصفوهم بأنهم مغتصبون، ثم لم يجدوا بداً لتسكيت سفهائهم من أن يطعنوا في أشخاص الخلفاء وخلافتهم وأهليتهم ويدعوا أنهم مرتدون ومغتصبون وكذبة، وأن الصحابة الذين ولوهم وصبروا على ولايتهم خونة وكذبة؛ حيث خانوا الوصية التي أوصاهم بها النبي صلى الله عليه وسلم بأن يولوا علياً.
إذاً فجميع الصحابة الذين بايعوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان عند الرافضة خونة، هذه هي فكرتهم.
فلما كان كذلك اهتم الأئمة رحمهم الله تعالى بذكر فضائل الخلفاء، وبذكر خلافتهم على أنها من جملة العقيدة، وإلا فالمبتدئ يستغرب أن يذكر أمر الخلافة مع العقيدة؛ لأن العقيدة إيمان بالغيب والخلافة أمر مشاهد ظاهر.
وكان أول ما مر بي وأنا مبتدئ الأبيات التي قرأتها في عقيدة أبي الخطاب الكلوذاني لما ذكر عقيدته التي مبدأها قوله: دع عنك تذكار الخليط المنجد والشوق نحو الراميات الآنسات الخرد والنوح في أطلال سعدى إنما تذكار سعدى شغل من لم يسعد ثم ذكر الخلافة في آخرها بقوله: قالوا فمن بعد النبي خليفة قلت الموحد قبل كل موحد حاميه في يوم العريش ومن له في الغار مسعد ياله من مسعد خير الصحابة والقرابة كلهم ذاك المؤيد قبل كل مؤيد قالوا فمن صديق أحمد قلت من تصديقه بين الورى لم يجحد قالوا: فمن تالي أبي بكر الرضا قلت الإمارة في الإمام الأزهد فاروق أحمد والمهذب بعده نصر الشريعة باللسان وباليد قالوا فثالثهم فقلت مسارعاً من بايع المختار عنه باليد صهر النبي على ابنتيه ومن حوى فضلين فضل تلاوة وتهجد أعني ابن عفان الشهيد ومن دعي في الناس ذا النورين صهر محمد إلى آخرها، فاستغربت؛ لأن أمر العقيدة إيمان بالغيب والخلافة تاريخ وحكاية شيء واقع، ولكن لما قرأت بعد ذلك وجدت أن سبب ذكر هذه الخلافة هو طعن الرافضة في هؤلاء الخلفاء الثلاثة وإنكارهم لخلافتهم.