Q لقد علمنا من نصوص الكتاب والسنة أن الخشية لا تكون إلا لله، فما هو تفسير الآية: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ؟
صلى الله عليه وسلم الخشية هي نوع من الخوف، ومعلوم أن الخوف ينقسم إلى قسمين: خوف سري وخوف طبيعي.
فالمراد بالخشية هنا: {وَتَخْشَى النَّاسَ} الخوف الطبيعي والخشية الطبيعية، وذلك لأن الإنسان يخاف -مثلاً-: من الأعداء أن يمكروا به خوفاً طبيعياً، ولذلك يأخذ حذره، ويخاف من الأمراض، ولذلك يبتعد عنها وعن أسبابها، ويخاف من السباع فلذلك يتجنبها، فيقول: تركت دخول هذا الشِعب خوفاً من السباع التي فيه، وتركت المبيت في هذه البقعة خوفاً من الحيات أو الهوام التي فيها.
أو: اشتريت هذا اللحاف خوفاً من البعوض الذي يؤذيني.
أو: اشتريت هذا السلاح خوفاً من الأعداء حتى أتحصن وأحفظ نفسي.
فمثل هذا يسمى خوفاً طبيعياً فلا يدخل في الشرك، وكذلك الخشية الطبيعية.
فالآية في سورة الأحزاب يقول الله فيها: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يتزوج امرأة زيد التي هي زينب لأن أهل الجاهلية يعتقدون أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل زوجة ابنه الذي قد تبناه.
وهو قد تبنى زيداً؛ لقوله: (هو ابني) ، فأحب أن يتزوجها ولكن خشي أن الناس سيقولون: تزوج زوجة ابنه الذي تبناه، فلما خشي من ذلك عاتبه الله وقال: لا تخش الناس وتزوجها {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:37] ، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:37] .
فهذا هو معنى خوفه، ولم يكن خوفاً سرياً، فالخوف السري هو أن يخاف من أشياء غير حسية، كأن يخاف من الأصنام أن تبطش به، أو من الأولياء الذين يدعون من دون الله أنهم يعذبونه، أو من الأنداد أنها تبطش به، أو نحو ذلك، فالخوف في ذلك عبادة سرية.