الشهادة بالجنة أو النار للمكلف مسألة من مسائل العقيدة، وعقيدة أهل السنة أنا لا نشهد بالجنة ولا بالنار إلا لمن ورد فيه نص صريح محدد أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، وإلا فإنا نتوقف ولا نجزم بالجنة ولا بالنار لمعين، وذكروا ذلك في كتب العقائد وقالوا: إنا لا ندري ما عاقبتهم، فهذا الإنسان الذي رأيناه مسلماً ومؤمناً وتقياً ونقياً لا ندري ما عاقبة أمره، ولا بماذا ختم له، فقد يختم له بعمل سيء، وكذلك هذا الكافر أو الفاسق أو المعاند الذي نراه سيء الديانة والمعتقد والأعمال ربما يتوب الله تعالى عليه قبل موته، فيختم له بخاتمة طيبة فيكون سعيداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) ؛ لأن الأعمال بالخواتيم، فقد نرى إنساناً تقياً نقياً ولكن يختم له بخاتمة سيئة تكون هي آخر حياته، فيكون شقياً وتحبط أعماله، فيحكم له بأنه من أهل النار، وبالعكس، فقد نرى إنساناً طوال حياته وهو سيء الأعمال والأخلاق والمعتقد، وبعيد عن الله، فيختم له عند آخر أجله بعمل أهل السعادة فيكون من أهل الجنة، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص فيشهد لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يشهد لعموم المؤمنين بالجنة، واستدل المؤلف بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [البينة:7-8] ، والآيات كثيرة، وفيها أن أهل الأعمال الصالحة وأهل الإيمان من أهل الجنة، وأن أهل السيئات وأهل الكفر من أهل النار، مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:82] ، وكذلك قوله: {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [البينة:6] ، فمن حيث العموم نقول: أهل الإيمان والعمل الصالح عموماً نشهد لهم بالجنة إذا كانت أعمالهم صالحة وكان إيمانهم حقيقياً ولم يكونوا مشركين ولا مبتدعين، نشهد لهم بالإيمان عموماً، إلا أننا لا نخصص فلاناً وفلاناً.
وكذلك أهل الكفر والبدع المكفرة نشهد لهم بالنار عموماً فنقول: من مات وهو على الكفر أو من مات وهو على البدع المكفرة فإنه من أهل النار، ولكن لا نخصص فلاناً وفلاناً.