أصحاب الكبائر عند أهل السنة هم من فعلوا من الذنوب ما دون الشرك، فإننا لا نخرجهم من الإسلام ولا من الإيمان، بل نقول: إنهم مؤمنون ولكن إيمانهم ناقص.
فنقول: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ويسمى فاسقاً -أي: عاصياً- لأجل الكبيرة التي اقترفها، ويسمى ناقص الإيمان؛ لأن نقص إيمانه حمله على أن يفعل المعاصي ويترك الطاعات، فلذلك نقول: إنه لا يخرج بذلك من مسمى الإيمان.
هذا هو قول أهل السنة.
أما الخوارج فإنهم يكفرون العاصي أياً كانت معصيته، فيكفرون الذين يأكلون أموال اليتامى ويخلدونهم في النار، ويستبيحون قتلهم وسفك دماءهم ونهب أموالهم وسبي نسائهم، ويقولون: إن الله توعدهم بالنار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:10] .
ومثل ذلك قذف المحصنات، فقد توعد الله عليه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:23-25] ، فيكفرونه إذا رمى محصناً أو محصنة، وأخرجوه من الإيمان وأدخلوه الكفر واستباحوا قتله.
يقول العلماء عن الخوارج: إنهم يجعلون الذنب كفراً والعفو ذنباً، فمثل هؤلاء قد قاتلهم الصحابة وبدعوهم وشنعوا عليهم.
ثم جاء المعتزلة فوافقوا الخوارج في بعض الأشياء، منها أن أهل الذنوب الذين يموتون عليها يخلدون في النار ولا يخرجون منها، فإذا مات وهو يأكل الربا، أو مات وهو يزني أو يسرق، أو يأكل مال يتيم من غير توبة، أو مات وقد قذف محصناً، أو تولى يوم الزحف، أو نحو ذلك من المعاصي فعند المعتزلة أنه خالد في النار لا يخرج منها، ولكنهم في الدنيا لا يعاملونه معاملة الكافر ولا معاملة المسلم بل هو في منزلة بينهما، هذه حالة المعتزلة.
ونحن نقول: إن أحداً من أهل التوحيد وممن يصلي إلى القبلة لو ارتكب ذنوباً كبيرة مع الإقامة على التوحيد لله والإقرار بما التزمه وقبله عن الله فإنه لا يكفر، ولا نخرجه من الإيمان ولا ندخله في الكفر، ولا نقول: إنه يخلد في النار.
بل: أمرهم في الآخرة إلى الله تعالى، إن شاء غفر لهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء أدخلهم النار بحسب سيئاتهم وذنوبهم، ثم مآلهم بعد تكفير الذنوب إلى أن يخرجوا إما بشفاعة الشافعين وإما برحمة الله تعالى، وذلك إذا عُذبوا العذاب الذي يتحملونه بقدر ذنوبهم، ومن الأدلة على ذلك هذه الآية التي ذكرها الإسماعيلي: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فقد جاءت هذه الآية في موضعين في سورة النساء، (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) ، يعني: ما دون الشرك (لِمَنْ يَشَاءُ) ، إن شاء غفر لهم رحمة منه وفضلاً.
وأدخلهم الجنة أول وهلة، وإن شاء أدخلهم دار العذاب للتطهير والتمحيص، كإدخال الحديد في كير الحداد حتى يصفيه مما فيه من الأدران والصدأ، فيدخلهم النار بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم منها.