قدمنا بهذه المقدمة لنستدل بها على أثر العقيدة، ونستدل بها على أن العقيدة الصحيحة التي تلقاها الصحابة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وتلقاها تلامذتهم عنهم وتابع التابعين عن التابعين هي التي بقيت، وهي العقيدة الصحيحة، وأن العقائد المنحرفة الزائغة لم تؤخذ من كتاب الله حتى لو استدلوا ببعض الآيات على غير مدلولها، ولا من السنة، ولا من الصحابة، ولا من تلامذة الصحابة، ولا من تلامذة تلامذتهم، وإنما أخذت من أفكار وقلوب زائغة منحرفة.
فهذا يستدل به على أن العقيدة ما كان عليه السلف رحمهم الله، وهم في الحقيقة أئمة الحديث، كما هو عنوان هذه الرسالة: (اعتقاد أئمة الحديث) ، وذلك لأن الصحابة تلقوها أحاديث، والتابعون أيضاً تلقوها عن الصحابة ونقلوها أحاديث، وكذلك تابعوهم تلقوها ونقلوها وحدثوا بها، فكانوا ينقلونها أحاديث، فيقول أحدهم -مثلاً-: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر قال: حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
ويذكر حديثاً كحديث النزول أو الرؤية، فإذاً هي أحاديث ثم أصبحت عقيدة أهل الحديث.
فأصبح أهل الحديث هم القدوة الذين يقتدى بهم، وذلك لأن المبتدعة لم يكونوا من أهل الحديث، وإذا نظرنا في سيرة عمرو بن عبيد وبشر بن غياث المريسي والجهم بن صفوان وابن أبي دؤاد ونحوهم من الجهمية أو المعتزلة لم نجدهم ممن رووا الأحاديث، بل لا يروون إلا ما يوافق أهواءهم أو يناسب بدعتهم، ولأجل ذلك لا تقبل أحاديثهم، والغالب أن الأحاديث التي يروونها لم تثبت، بل إنها مكذوبة أو موضوعة أو ضعيفة لأجل من فيها من المبتدعة، فأصبح أهل الحديث هم أهل العقيدة السلفية والفرقة الناجية المنصورة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله) .
سئل الإمام أحمد: من هم هذه الطائفة؟ قال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم.
وهذا صحيح، فإلم يكن أهل الحديث هم الفرقة الناجية فمن هم؟ أهل الحديث هم صحب النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا فكأنهم صحابة؛ لأنهم صحبوا أنفاسه، والكلام الذي يروونه ويتناقلونه هو الكلام الذي نطق به، وبين كلماته أنفاسه التي تنفس بها وهو يتكلم، فيعتبرون كأنهم الصحابة على حد كلام هذا الشاعر.
ولذلك يعرف أهل الحديث حقاً بأنهم هم الذين انتحلوا هذه النحلة واعتقدوا هذه العقيدة.