ما كتبه كل واحد منهم، فأقبل على حاجبه فقال: أدخل من الملك مضطر إليه، وهو محمد بن عبد الملك الزيات، فجيء به وهو واجم متغير مضطرب، فلما وقف بين يديه قال: اكتب إلى صاحب خراسان في كذا، فأخرج من كمه قصباً ومن خفه دواةً، وابتدأ فكتب بين يديه، حتى فرغ من الكتاب وأصلحه، وتقدم فناوله إياه، وقد أتى فيه على جميع ما في نفسه، فلما قرأه أُعجب به جداً، وقال له: امضه، فأخرج من الخريطة طيباً فوضعه عليه، وناوله الخاتم، فختمه وأنفذه من حضرته ووقف بين يديه؛ فقال الواثق لخادم بين يديه: امض إلى دايتي وقل لها توجه إلي بالدرج الفلاني، فمضى الخادم، فوافى به، ففتحه وأخرج الرقعة، فدفعها إلى محمد فقرأها وقال: يا أمير المؤمنين، أنا عبد من عبيدك، فإن وفيت بيمينك فأنت محكم، وإن عفوت وصفحت كان أشبه بك! فقال: لا والله، لا يمنعني من الوفاء بيميني إلا النفاسة أن يخلو الملك من مثلك! وأمر بعتق العبيد الذين حلف بعتقهم، وبوقف الضياع وحبس الخيل وصدقة المال.
وكثرت في أيام الواثق نكبات الكتاب، كسليمان بن وهب، وأحمد ابن الخصيب وغيرهما، بسعاية ابن الزيات، فقال إبراهيم بن العباس الصولي في ذلك يخاطبه من أبيات: