فرط منه، ولا يفسد قلبه ويبطل الغناء الذي فيه، وإنما كنت أكون غبياً لو أذعت سراً على السلطان فيه ندم أو نقض تدبير، وأما هذا فما كان عندي إلا صواباً! فقال لي: أحسنت والله يا أحمد!.. وأمر لي بمال كثير.
ولم يزل المأمون بسعة ذرعه وكرم طبعه يحتمله، على نهمه وحدته وسوء خلقه وعبوس وجهه المضروب به المثل في زمانه. حكى الجاحظ: أن بعض الكتاب سأل عبد الله بن طاهر حاجة، فوعده قضاءها، وطالت أيام مطاله الانجاز، فكتب إليه: أما بعد، فقد كان وعدك تلقاني مكتسياً بشاشة عمرو بن مسعدة، وأرى إنجازه تأخر تأخر من خلع عليه عبوس أحمد بن أبي خالد! وكتب في آخره:
ولقد علمت وإن نصبت لي المنى ... أنّ الخصاصة لا تداوى بالمنى
فلئن وفيت لأنهضنّ بشكركم ... ولئن أبيت لأحملنّ على القضا
النذل يلحف في السؤال ولا ترى ... للحرّ إلحافاً ولو أكل الثرى
فأنجزها عبد الله بن طاهر.
وقال الصولي: ركب أحمد بن أبي خالد يوماً إلى المأمون، فكثر عليه الناس فنهرهم، فقال له رجل: عمري، أُشكر الله فقد أعطاك ما لم يعط نبيه! قال: