ومن رسالته السلطانية أيضاً في الوقيعة الكبرى بوادي أبي موسى سنة ست وستمائة: وإلى ذلكم وصل الله بالنجاح أسباب آمالكم، وختم بالفلاح صحائف أعمالكم، فإن الموحدين أعزهم الله لما قفلوا من حركتهم الأولى إلى ديارهم، وانصرفوا من تمام أغراضهم في اتباع الأعداء وأوطارهم، أقبل هذا العدو الأشقى فيمن التف عليه من غدرة بني رياح كفرة النعمى، يؤمون هذه الجهة الإفريقية حنيناً إليها، وصبابة لم تزل تعطف عليها، ظناً منهم أن هذه العصابة المنصورة، والجماعة المحمودة في سبيل الله المشكورة، قد ألقت عصا التسيار، وأخلدت إلى الراحة من طول السفار، وكانت قد تلقتهم بأطراف الزاب جماعة بني مالك مزيدة وجموع دياب، فقوت رجاءهم في الهجوم على البلاد، وصدقت أملهم الكاذب فيما عزموا عليه من الفساد، فأخذ الموحدون أعزهم الله في الحركة إليهم، والورود بحول الله وقوته عليهم، بعزائم لا تثني بالأمل، وحفائظ لا ترضى بالقول دون العمل، حتى نزلوا القيروان، وهي قطب منازل الأعراب ومراد سوامهم عند ازدحامهم في مثل هذه الأحوال الصعاب، والأعداء حينئذ نزلوا بظاهر قفصة يرتقبون ورود بقية دباب من طرابلس إجابة لما قدموه من ندائهم، وإهابةً بهم إلى إعادتهم في الفساد وإبدائهم،