مستميلاً له ومعرضاً بالتحدث معه على بني عبيد الله، وكتب له بخطه قطعة يتمثل بها، منها:
وفيك صاحبت قوماً لا خلاق لهم ... لولاك ما كنت أدري انهم خلقوا
فقال الجرجرائي: ألا تعجبون من هذا الأمر؟ هذا صبي مغربي بربري يحب أن يخدع شيخاً بغدادياً عربياً! وإنما اتهمه بفعل ذلك ليوقع بين القوم ووزيرهم إن عثر على هذه الرموز؛ ثم قال: والله لا جيشت إليه جيشاً، ولا تحملت في إهلاكه نصباً، وأباح للعرب العبور بمجاز النيل من جهة قبائل الأعراب، وكان ذلك محظوراً ممنوعاً، وجعل لكل عابر منهم فرواً وديناراً، فأجاز منهم خلقاً عظيماً من غير أن يأمرهم بشيء لعلمه أنهم لا يحتاجون إلى وصاة، وأقاموا بناحية برقة وما جاورها، ولم يكن لهم أثر أمداً طويلاً، ثم قدم منهم مؤنس بن يحيى الرياحي إلى القيروان فسكنها أعواماً، وآل أمرهم إلى أن هزموا المعز بن باديس ثاني عيد الأضحى سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة في ثلاثة آلاف فارس، وهو في أعداد عظيمة وجموع كثيفة، وأخربوا القيروان وتغلبوا على نواحيها، وتكاثروا بعد ذلك بإفريقية والمغرب إلى اليوم.