اعتاب الكتاب (صفحة 114)

للنعمة كفوراً للصنيعة، معدداً للمساوئ، وما فتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك لفساد طويتك، ورداءة جبلتك، وسوء اختيارك، وتكالب طباعك! فقال الجاحظ: خفض عليك أصلحك الله، فوالله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أُسيء وتحسن أُحسن في الأُحدوثة من أن أُحسن فتسيء، ولأن تعفو عني في حال قدرتك علي، أجمل بك من الانتقام مني!.. فعفا عنه.

وأرق من هذا الاستعطاف على أن بلاغة الجاحظ في رسائله وخطبه لا يتعاطاها الفحول ذوو الإدراك ما كتب به بعض الكتاب إلى أبي غالب، ابن أخي إبراهيم بن المدبر وهو: وجدت استصغارك لعظيم ذنبي أعظم لقدر تجاوزك عني، ولعمري ما جل ذنب يقاس إلى فضلك، ولا عظم جرم يقاس إلى صفحك، ويعول فيه على كرم عفوك، ولئن كان قد وسعه حلمك فأصبح جليله عندك محتقراً وعظيمه لديك مستصغراً، إنه عندي لفي أقبح صور الذنوب، وأعلى رتب العيوب؛ غير أنه لولا بوادر الجهلاء لم يعرف فضل الحلماء، ولولا ظهور نقص الأتباع لم يبن كمال الرؤساء، ولولا إلمام الملمين بالذنب لبطل تطول المتطولين بالصفح، وإني لأرجو أن يمنحك الله السلامة بطلبك منها، ويقيلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015