ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: ذُكرت الطيرة عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلاَّ أنت، ولا يدفع السيئات إلاَّ أنت، ولا حول ولا قوة إلاَّ بك".
وعن أبي مسعود مرفوعاً: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلاّ ... ، ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أبو داود والترمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان الفأل يعجب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا سمع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسماً حسناً، أو كلمة طيبة، أو مرّ بمكان طيّب، انشرح صدره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حسن الظن بالله جل وعلا.
ولِمّا أقبل سُهيل بن عمرو في قصة الحديبية ليتفاوض مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورآه مقبلاً قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُهِّل لكم من أمركم"، وكان كما أمّل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مجيئه سبب خير.
قوله. "فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل" إلخ فيه ما تعالج به الطيرة وهو هذا الدعاء الذي ذكره.
وفي حديث ابن مسعود قال: "الطيرة شرك، الطيرة شرك" كرِّر هذا مرّتين أو ثلاثاً تأكيداً، وقد قدّمنا بيان معنى كونها شركاً.
قوله: "وما منّا إلاّ ... ولكن الله يُذهبه بالتوكُّل" هذا من كلام ابن مسعود، يقول: يقع في قلوبنا شيء من الطَيرة، فإذا رأى الإنسان شيئاً يكرهه يقع في نفسه شيء، لأنه لا يقدر على ردِّ هذا، وهذا لا يؤاخذ عليه الإنسان، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدَّثتْ بها أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل"، فكونه يقع في نفس الإنسان شيءٌ إذا رأى شيئاً يكرهه، أو يخاف شيئاً ثمّ لا يتأثر ولا يتصرّف تصرُّفاً يخالف ما شرعه الله؛ لا يؤاخذ على هذا.
"ولكن الله يُذهبه بالتوكُّل" هذا هو العلاج، فالمؤمن يتوكل على الله ولا يضره ما وقع في نفسه، ويذهب بإذن الله إذا توكّل على الله.
فهذا إشارةٌ إلى ما تُعالجَ به الطيَرة أيضاً وهو: التوكُّل على الله سبحانه