ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل"، قالوا: ما الفأل؟ قال: "الكلمة الطيبة".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الأحاديث والآثار في موضوع حكم الطيرَة، والفرق بينهما وبين الفأل، وبيان ما تُعالَج به الطيرة.
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أنس رضي الله عنه: "لا عدوى" العدوى سبق الكلام فيها، وأن معناها: انتقال المرض من شخص إلى شخص بحكم مقاربته له، أو ملامسته له، ونحو ذلك.
ولذلك كان أهل الجاهلية يعملون أعمالاً فظيعة خوفاً من العدوى، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفى ذلك، وأمر باتّخاذ الأسباب الواقية مع التوكُّل على الله سبحانه وتعالى.
فقوله: "لا عدوى" يعني: على ما كان تعتقده الجاهلية، وإنما العدوى بأمر الله سبحانه وتعالى ومشيئته، فإذا توكلت على الله، وآمنت بالله، وقوِيَ يقينك بالله، واتخذت الأسباب التي أمر الله بها؛ فحينئذ تكون قد فعلت المشروع، والتوكل ليس معناه أنك تترك الأسباب، بل تأخذ بالأسباب الواقية، ولا تقْدم على البلد الذي فيه الوباء، ولا تخرج منه إذا وقع وأنت فيه، ولا تخالط الممرضين وأنت تقدر على الابتعاد عنهم، إلاَّ إذا دعت الضرورة إلى ذلك، بأن كان المريض ليس له أحدٌ يعالجه، والمصاب ليس له أحد يعالجه ويقوم بشؤونه؛ فتوكل على الله وقُم بمعالجة المريض، وقُم بخدمته وتوكّل على الله سبحانه وتعالى، وأنت مأجور، فالله جل وعلا إذا علم من نيّتك الإيمان والإخلاص كفاك سبحانه وتعالى، أما ما دمت في غنىٌ عن مخالطته فلا حاجة بك إلى مخالطته، فأنت لا تُقدِم عليه من باب أخذ الأسباب.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ويعجبني الفأل" الفأل: تأميل الخير. والطيرة: تأميل الشر.
وتأميل الخير مطلوب، والطيرة ممنوعة لأن الطيرة سوء ظنٍّ بالله، والفأل حسن ظنٍّ بالله جل وعلا.
فإذا سمع الشخص كلمة طيِّبة انشرح صدره، أو رأى شخصاً طيِّباً جاء إليه انشرح صدره وأمّل خيراً، وأحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فهذا أمرٌ طيِّب، ولهذا