لِقَضَاءِ الْعُطْلَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ عَمَلُهُ فِي التَّدْرِيسِ بِالْمَعْهَدِ وَالْكُلْيَةِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُدَرِّسِينَ. وَلَكِنْ لِبَيَانِ أَثَرِهِ حَقِيقَةً نُورِدُ نُبْذَةً عَنِ الْحَالَةِ الْعِلْمِيَّةِ آنَذَاكَ بِالرِّيَاضِ.
كَانَتِ الرِّيَاضُ عَاصِمَةَ نَجْدٍ عِلْمِيًّا وَسِيَاسِيًّا وَكَانَ يَفِدُ إِلَيْهَا طُلَّابُ الْعِلْمِ مِنْ أَنْحَاءِ نَجْدٍ لِأَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ آلِ الشَّيْخِ. وَكَانَ مَرْكَزُ الدِّرَاسَةِ وَالتَّدْرِيسِ فِي الْمَسَاجِدِ إِلَّا خَوَاصَّ الطُّلَّابِ لَدَى سَمَاحَةِ الْمُفْتِي فَيَدْرُسُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الدُّرُوسِ فِي بَيْتِهِ ضُحًى، وَكَانَتِ الدِّرَاسَةُ عِمَادُهَا التَّوْحِيدُ وَالْفِقْهُ وَالتَّفْسِيرُ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ وَالسِّيرَةُ وَالنَّحْوُ، وَكَانَتْ دِرَاسَةً مُبَارَكَةً تَخَرَّجَ عَلَيْهَا جَمِيعُ عُلَمَاءِ نَجْدٍ، حَتَّى جَاءَتْ تِلْكَ الْحَرَكَةُ الْعِلْمِيَّةُ الْجَدِيدَةُ، أَوْ تَنْظِيمُ الدِّرَاسَةِ الْجَدِيدُ فِي عَامِ 1371 هـ.
نَشْأَةُ هَذِهِ الْحَرَكَةِ: كَانَتْ نَشْأَتُهَا كَمَا سُمِعْتُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِجَابَةً لِرَغْبَةِ الْمَرْحُومِ جَلَالَةِ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ لِجَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ فِي مَجْلِسِهِ الْخَاصِّ: لَقَدْ كَانَتِ الرِّيَاضُ مَلِيئَةً بِالْعُلَمَاءِ عَامِرَةً بِالدُّرُوسِ. وَانْتَقَلَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَخْلُفْهُمْ مَنْ يُمَاثِلُهُمْ، وَأَرَدْتُ تَعَاوُنَكُمْ مَعَ سَمَاحَةِ الْمُفْتِي فِي تَرْبِيَةِ جِيلٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنِ الْعُلُومِ الصَّحِيحَةِ وَالْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ، فَنَحْنُ وَأَنْتُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي الْمَسْؤُولِيَّةِ. فَكَانَتْ هَذِهِ النَّهْضَةُ تَرْعَاهَا عِنَايَةٌ مَلَكِيَّةٌ وَتَقُومُ عَلَيْهَا كَفَاءَةٌ عِلْمِيَّةٌ، تَوَلَّى إِدَارَةَ الْمَعْهَدِ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَرِئَاسَتُهُ لِسَمَاحَةِ الْمُفْتِي، وَافْتُتِحَتِ الدِّرَاسَةُ عَلَى طُلَّابِ حِلَقِ الْمَسَاجِدِ الْأَكْفَاءِ وَفِيهِمْ خَوَاصُّ طُلَّابِ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبْنَاؤُهُ. صُنِّفَتِ الدِّرَاسَةُ عَلَى ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ ثَانَوِيَّةٍ وَمِنْهَا إِلَى الْكُلِّيَّةِ، يُغَذِّي هَذَا الْقِسْمَ قِسْمٌ تَمْهِيدِيٌّ يَأْخُذُ مِنْ رَابِعَةِ ابْتِدَائِيٍّ وَيَدْرُسُ خَامِسَةَ وَسَادِسَةَ وَمِنْ ثَمَّ لِلْمَعْهَدِ الثَّانَوِيِّ فَالْكُلِّيَّتَيْنِ.
الْمَنْهَجُ الْعِلْمِيُّ: وُضِعَ الْمَنْهَجُ الْعِلْمِيَّ لِتِلْكَ الدِّرَاسَةِ عَلَى أَسَاسٍ فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَتَكْمِيلٍ مِنَ الْمَوَادِّ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَعُلُومِ الْآلَةِ مِنْ مُصْطَلَحٍ وَأُصُولٍ حَتَّى الْحِسَابِ وَالتَّقْوِيمِ وَالْخَطِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالتَّجْوِيدِ. فَكَانَ قَوِيًّا فِي مَوْضُوعِهِ شَامِلًا فِي مَنْهَجِهِ. وَكَانَ الطُّلَّابُ مِنَ الصَّفْوَةِ الَّذِينَ دَرَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ الْمُتَعَطِّشِينَ لِلْعُلُومِ مُتَطَلِّعِينَ لِلتَّوَسُّعِ وَكَانَ الْقَائِمُونَ عَلَى التَّدْرِيسِ نُخْبَةً مُمْتَازَةً مِنَ الْأَجِلَةِ الْفُضَلَاءِ مِنْ وَطَنِيِّينَ وَأَزْهَرِيِّينَ. فَكَانَ الْجَوُّ حَقًّا جِدًّا عِلْمِيًّا الْتَقَتْ فِيهِ هِمَّةٌ عَالِيَةٌ مِنْ طُلَّابٍ جَيِّدِينَ مَعَ عَزِيمَةٍ مَاضِيَةٍ مِنْ مَشَايِخَ مُجْتَهِدِينَ. كَانَ يَسُودُهُمُ الشُّعُورُ بِأَنَّ هَذِهِ طَلِيعَةُ نَهْضَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَاسِعَةٍ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَوَالِدٍ لِلْجَمِيعِ وَكَانَ دَرْسُهُ التَّفْسِيرَ وَالْأُصُولَ. فَكَانَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَجَالُ الْوَاسِعُ لِجَمِيعِ