الِاسْتِدْلَالِ أَقْرَبَ مَنْزِلٍ، وَكُنْتُمْ بِهِ عَنِ التَّقْلِيدِ بِمَعْزِلٍ، أَمْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَهُ اتِّفَاقًا، وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.

وَلَيْسَ إِلَى خُرُوجِكُمْ عَنِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقَسَمَيْنِ سَبِيلٌ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ بِفَسَادِ مَذْهَبِ التَّقْلِيدِ حَاكِمٌ، وَالرُّجُوعِ إِلَى مَذْهَبِ الْحُجَّةِ مِنْهُ لَازِمٌ.

وَنَحْنُ إِنْ خَاطَبْنَاكُمْ بِلِسَانِ الْحُجَّةِ، قُلْتُمْ لَسْنَا مِنَ أَهْلِ هَذِهِ السَّبِيلِ، وَإِنْ خَاطَبْنَاكُمْ بِحُكْمِ التَّقْلِيدِ، فَلَا مَعْنَى لِمَا أَقَمْتُمُوهُ مِنَ الدَّلِيلِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ، وَكُلَّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، تَدَّعِي أَنَّهَا عَلَى حَقٍّ، حَاشَا فِرْقَةِ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ، وَلَوِ ادَّعَوْهُ لَكَانُوا مُبْطِلِينَ، فَإِنَّهُمْ شَاهِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا تِلْكَ الْأَقْوَالَ لِدَلِيلٍ قَادَهُمْ إِلَيْهَا، وَبُرْهَانٍ دَلَّهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا سَبِيلُهُمْ مَحْضُ التَّقْلِيدِ، وَالْمُقَلِّدُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَا الْحَالِيَّ مِنَ الْعَاطِلِ.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ نَهَوْهُمْ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فَعَصَوْهُمْ وَخَالَفُوهُمْ، وَقَالُوا نَحْنُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ، وَقَدْ دَانُوا بِخِلَافِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَذْهَبِ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى الْحُجَّةِ وَنَهَوْا عَنِ التَّقْلِيدِ وَأَوْصَوْهُمْ إِذَا ظَهَرَ الدَّلِيلُ أَنْ يَتْرُكُوا أَقْوَالَهُمْ وَيَتْبَعُوهُ، فَخَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَقَالُوا: نَحْنُ مِنَ أَتْبَاعِهِمْ، تِلْكَ أَمَانِيهِمْ، وَمَا أَتْبَاعُهُمْ إِلَّا مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ، وَاقْتَفَى آثَارَهُمْ فِي أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي كُتُبِهِمْ بِبُطْلَانِ التَّقْلِيدِ، وَتَحْرِيمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَلَوِ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ وَلَا تَوْلِيَتُهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ التَّوْلِيَةَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ.

وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ بِمَا لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.

وَالْمُقَلِّدُ لَا عِلْمَ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَفَسَادِهِ إِذْ طَرِيقُ ذَلِكَ مَسْدُودَةٌ عَلَيْهِ.

ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِمَتْبُوعِهِ لَا يُفَارِقُ قَوْلَهُ، وَيَتْرُكُ لَهُ كُلَّ مَا خَالَفَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015