مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قَوْلِ صَاحِبٍ، أَوْ قَوْلِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مَتْبُوعِهِ أَوْ نَظِيرِهِ، وَهَذَا مِنَ أَعْجَبِ الْعَجَبِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، رَجُلٌ وَاحِدٌ اتَّخَذَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَلِّدُهُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ، فَلَمْ يُسْقِطْ مِنْهَا شَيْئًا وَأَسْقَطَ أَقْوَالَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا.
وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ، أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ، وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ.
فَلْيُكَذِّبْنَا الْمُقَلِّدُونَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ، سَلَكَ سَبِيلَهُمُ الْوَخِيمَةَ فِي الْقُرُونِ الْفَضِيلَةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِنَّمَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْمَذْمُومِ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْمُقَلِّدُونَ لِمَتْبُوعِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا قَالُوهُ، يُبِيحُونَ بِهِ الْفُرُوجَ، وَالدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ، وَيُحَرِّمُونَهَا وَلَا يَدْرُونَ أَذَلِكَ صَوَابٌ أَمْ خَطَأٌ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَلَهُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ مَوْقِفٌ شَدِيدٌ يَعْلَمُ فِيهِ مَنْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُقَلِّدُونَ: تَقُولُونَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْوَحْيِ إِلَّا بِخُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلِمَ سَوَّغْتُمْ لِأَنْفُسِكُمُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى التَّقْلِيدِ بِآيَةِ: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [16 \ 43] ، وَآيَةِ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ الْآيَةَ [9 \ 122] .
هَلْ رَجَعْتُمْ عَنْ قَوْلِكُمْ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْوَحْيِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، أَوِ ارْتَكَبْتُمْ مَا تَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ حَرَّمَ مِنِ اسْتِدْلَالِكُمْ بِالْقُرْآنِ مَعَ شِدَّةِ بُعْدِكُمْ عَنْ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ؟
وَفِي هَذَا رَدُّ إِجْمَالِيٌّ لِجَمِيعِ مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ عَلَى التَّقْلِيدِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ يُقَالُ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهَا فِي زَعْمِكُمْ مِنْ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ، الَّتِي سَنَّ لَكُمُ الصَّاوِيُّ وَأَمْثَالُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْ ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
فَلِمَ تَجَرَّأْتُمْ عَلَى شَيْءٍ هُوَ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ وَسَوَّغْتُمْ لِأَنْفُسِكُمُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ.
وَسَنُذَكِّرُ رَدَّ اسْتِدْلَالِ الْمُقَلِّدِينَ تَفْصِيلًا، بِإِيجَازٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.