الذِّمَّةِ، عَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ فَسَادٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ تَعَدِّي مِيقَاتٍ، أَوْ تَرْكِ النُّزُولِ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أَوْ تَرْكِ النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ تَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهِ وَبَعْدَهُ. أَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَيُؤْكَلُ مِنْهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِمَا مَحِلَّهُمَا، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُمَا بَعْدَهُ. وَأَمَّا النَّذْرُ الْمَضْمُونُ إِذَا لَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ: فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ قَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلَهُ وَإِنْ عَيَّنَ النَّذْرَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ نَوَى ذَلِكَ حِينَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ لِلْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، عِنْدَ مَالِكٍ وَأَنَّ النَّذْرَ الْمَضْمُونَ لِلْمَسَاكِينِ، حُكْمُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حُكْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فَيَمْتَنِعُ الْأَكْلُ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ ; لِأَنَّهُ بَاقِي فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَأَمَّا النَّذْرُ الْمَضْمُونُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لِلْمَسَاكِينِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ لِلَّهِ نَذْرٌ أَنْ أَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِنَحْرِ هَدْيٍ، فَلَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهِ، وَبَعْدَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِنْ عَطِبَ فِي الطَّرِيقِ، لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَوْضَحْنَا دَلِيلَ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ حَاصِلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْهَدَايَا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنَ الضَّحَايَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ اللَّخْمِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ كُلَّ هَدْيٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ: جَازَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَكُلُّ هَدْيٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُهُ فَقِيرًا، لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْكَفَّارَةِ. وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِطْعَامَ الذِّمِّيِّ مِنَ الْهَدَايَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، أَمَّا إِذَا عَطِبَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ، قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ. وَلَا يَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، بَلْ يَأْكُلُهُ الْفُقَرَاءُ. هَذَا حَاصِلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهُوَ أَنَّ الْهَدْيَ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَالْأَكْلُ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَكْلِ بِقَوْلِهِ: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [22 \ 36] . قَالُوا: فَجَعَلَهَا لَنَا وَمَا هُوَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِهِ، وَأَكْلِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ.

وَاعْلَمْ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ: يَجُوزُ الْأَكْلُ، فَإِنَّا نَعْنِي: الْإِذْنَ فِي الْأَكْلِ الصَّادِقِ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَبِالْوُجُوبِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ الْخِلَافِ، فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015