الْجُمَّةُ مِنَ الشَّعْرِ إِذَا بَلَغَتِ الْأُذُنَيْنِ، وَقِيلَ: الْوَفْرَةُ الشَّعْرَةُ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ، ثُمَّ الْجُمَّةُ، ثُمَّ اللِّمَّةُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْوَفْرَةُ شَعْرُ الرَّأْسِ، إِذَا وَصَلَ شَحْمَةَ الْأُذُنِ. انْتَهَى مِنَ «اللِّسَانِ» .

فَالْجَوَابُ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَصَّرْنَ رُءُوسَهُنَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَتَجَمَّلْنَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ أَجْمَلِ زِينَتِهِنَّ شَعْرُهُنَّ. أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَهُنَّ حُكْمٌ خَاصٌّ بِهِنَّ لَا تُشَارِكُهُنَّ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَاءِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ أَمَلِهِنَّ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا مِنَ التَّزْوِيجِ، وَيَأْسُهُنَّ مِنْهُ الْيَأْسَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِطَهُ طَمَعٌ، فَهُنَّ كَالْمُعْتَدَّاتِ الْمَحْبُوسَاتِ بِسَبَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَوْتِ. قَالَ تَعَالَى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [33 \ 53] ، وَالْيَأْسُ مِنَ الرِّجَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّرْخِيصِ فِي الْإِخْلَالِ بِأَشْيَاءَ مِنَ الزِّينَةِ، لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ ذَلِكَ السَّبَبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُونَ، وَالذَّوَائِبَ، وَلَعَلَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلْنَ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّنَ، وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيلِ الشِّعْرِ وَتَخْفِيفًا لِمُؤْنَةِ رُءُوسِهِنَّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كَوْنِهِنَّ فَعَلْنَهُ، بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا فِي حَيَاتِهِ. كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُظَنُّ بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْفِيفِ الشُّعُورِ لِلنِّسَاءِ. انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْفِيفِ الشُّعُورِ لِلنِّسَاءِ، فِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَاسُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُهُنَّ ; لِأَنَّ قَطْعَ طَمَعِهِنَّ فِي الرِّجَالِ بِالْكُلِّيَّةِ خَاصٌّ بِهِنَّ دُونَ غَيْرِهِنَّ، وَهُوَ قَدْ يُبَاحُ لَهُ مِنَ الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الزِّينَةِ مَا لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ حَتَّى إِنَّ الْعَجُوزَ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَتُزَيَّنُ لِلْخُطَّابِ، وَرُبَّمَا تَزَوَّجَتْ ; لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. وَقَدْ يُحِبُّ بَعْضُهُمُ الْعَجُوزَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: أَبَى الْقَلْبُ إِلَّا أُمَّ عَمْرٍو وَحُبَّهَا عَجُوزًا وَمَنْ يُحْبِبْ عَجُوزًا يُفَنَّدِ كَثَوْبِ الْيَمَانِي قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَرُقْعَتُهُ مَا شِئْتَ فِي الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَقَالَ الْآخَرُ: وَلَوْ أَصْبَحَتْ لَيْلَى تَدِبُّ عَلَى الْعَصَا لَكَانَ هَوَى لَيْلَى جَدِيدًا أَوَائِلُهْ

وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ.

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (مِنْهَا) . رَاجِعٌ إِلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015