رِدَائِي فَوَضَعْتُهُ تَحْتَ رَأْسِهَا فَاجْتَذَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَلْقَاهُ وَكَانَتْ قَدْ حَلَقَتْ رَأْسَهَا فِي الْحَجِّ فَكَانَ رَأْسُهَا مُحْجَمًا» . انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ صَاحِبِ «نَصْبِ الرَّايَةِ» . فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَيْمُونَةَ حَلَقَتْ رَأْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا فَعَلَتْهُ، وَأَمَّا التَّقْصِيرُ فَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثْنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعِ، فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجَنَابَةِ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ، فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا. قَالَ: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ. اهـ مِنْ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» .
فَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ أَنَّ فِيهِ أَنَّ رَأْسَهَا كَانَ مُحْجَمًا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ الْمَذْكُورَ لِضَرُورَةِ الْمَرَضِ، لِتَتَمَكَّنَ آلَةُ الْحَجْمِ مِنَ الرَّأْسِ، وَالضَّرُورَةُ يُبَاحُ لَهَا مَا لَا يُبَاحُ بِدُونِهَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [6 \ 119] .
وَأَمَّا الْجَوَابُ: عَنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ فَعَلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّ الْوَفْرَةَ أَطْوَلُ مِنَ اللِّمَّةِ الَّتِي هِيَ مَا أَلَمَّ بِالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ، فَلَا إِشْكَالَ ; لِأَنَّ مَا نَزَلَ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ طَوِيلٌ طُولًا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» : وَالْوَفْرَةُ أَشْبَعُ، وَأَكْثَرُ مِنَ اللِّمَّةِ. وَاللِّمَّةُ مَا يُلِمُّ بِالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ. قَالَهُ: الْأَصْمَعِيُّ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ النَّوَوِيِّ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: مِنْ أَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ الْأُذُنَيْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْوَفْرَةُ: الشَّعْرُ الْمُجْتَمِعُ عَلَى الرَّأْسِ، أَوْ مَا سَالَ عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ أَوْ مَا جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنِ، ثُمَّ الْجُمَّةُ، ثُمَّ اللِّمَّةُ انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صَحَّاحِهِ: وَالْوَفْرَةُ: الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ، ثُمَّ الْجُمَّةُ ثُمَّ اللِّمَّةُ: وَهِيَ الَّتِي أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي «اللِّسَانِ» : وَالْوَفْرَةُ: الشَّعْرُ الْمُجْتَمِعُ عَلَى الرَّأْسِ، وَقِيلَ: مَا سَالَ عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ. وَالْجَمْعُ وِفَارٌ. قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ: كَأَنَّ وِفَارَ الْقَوْمِ تَحْتَ رِحَالِهَا إِذَا حُسِرَتْ عَنْهَا الْعَمَائِمُ عُنْصُلُ وَقِيلَ: الْوَفْرَةُ أَعْظَمُ مِنَ الْجُمَّةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا غَلَطٌ إِنَّمَا هِيَ وَفْرَةٌ، ثُمَّ جُمَّةٌ، ثُمَّ لِمَّةٌ، وَالْوَفْرَةُ: مَا جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ، وَاللِّمَّةُ: مَا أَلَمَّ بِالْمَنْكِبَيْنِ. التَّهْذِيبَ، وَالْوَفْرَةُ: