عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ "، عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ لِمَا بَيَّنَتْ بِهِ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجَعَ النَّاسُ عَنْ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَيْءٌ، خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَخِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَأَمَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَلَّدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ ; لِأَنَّ إِيجَابَ الْإِحْرَامِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا بَلَغَ الْمِيقَاتَ وَأَرَادَ مُجَاوَزَتَهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ
الظَّاهِرُ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَلَوِ اشْتَرَاهُ مِنْ مَنًى وَنَحَرَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَى الْحِلِّ أَجْزَأَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا هَدْيَ إِلَّا مَا أُحْضِرَ عَرَفَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْهَدْيِ أَنْ يُجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى الْهَدْيَ إِلَّا مَا عُرِّفَ بِهِ، وَنَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يُذْبَحُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِمِنًى، إِلَّا إِذَا وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ بِهِ بِعَرَفَةَ ذَبَحَهُ فِي مَكَّةَ، وَلَا بُدَّ عِنْدَهُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ إِخْرَاجُهُ إِلَى الْحِلِّ وَالرُّجُوعُ بِهِ إِلَى الْحَرَمِ وَذَبْحُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الظَّاهِرَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ جَمْعِ الْهَدْيِ، بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ; لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِذَلِكَ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْهَدْيِ نَفْعُ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.