وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ. وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ صَحِيحَةٌ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالَّذِي فِي الْحَدِيثِ: الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ مَعًا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِبِلَ خَاصَّةً فَالْبَقَرُ فِي مَعْنَاهَا. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ كُلُّهَا تُقَلَّدُ إِنْ كَانَتْ هَدْيًا، وَأَنَّ الْغَنَمَ لَا تُشْعَرُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ ثَابِتَةٌ بِإِشْعَارِ الْإِبِلِ، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّ الْبَقَرَ كَذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُ سَنَامٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَى الْحَرَمِ هَدْيًا وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ بِحَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ، لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِإِرْسَالِ الْهَدْيِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا خَالَفَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، قَالَتْ: عَمْرَةُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، إِلَّا أَنْ فِيهِ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ عَائِشَةَ ابْنُ زِيَادٍ.
وَالصَّوَابُ: مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهَا يَسْأَلُهَا هُوَ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَعْرُوفُ بِزِيَادِ ابْنِ أَبِيهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ كَوْنِهِ ابْنَ زِيَادٍ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى قَوْلِ كُلِّ عَالِمٍ، وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ، وَأَقَامَ فِي بَلَدِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِإِرْسَالِ هَدْيِهِ، وَأَنَّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِنْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَقْوَالِ كُلِّ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ إِلَّا الْجِمَاعَ لَيْلَةَ جَمْعٍ: وَهِيَ لَيْلَةُ النَّحْرِ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ; لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ، الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ ضَعِيفٌ، كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي " الْفَتْحِ "، فَلَا يُعَارَضُ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ