وَقَالَ فِي الدُّرَرِ كَالزَّرْكَشِيِّ لَا يُعْرَفُ، وَسُئِلَ عَنْهُ الْمِزِّيُّ، وَالذَّهَبِيُّ فَأَنْكَرَاهُ. نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، فَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: " مَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: " إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ " وَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَلْزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ الشَّيْخَيْنِ بِإِخْرَاجِهَا ; لِثُبُوتِهَا عَلَى شَرْطِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيِّ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ: " حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ "، لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، إِلَى آخِرِهِ قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْهُ، اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ بِقَافَيْنِ مُصَغَّرًا: وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْمُبَايَعَاتِ، وَرُقَيْقَةُ أُمُّهَا: وَهِيَ أُخْتُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ. وَقِيلَ عَمَّتُهَا وَاسْمُ أَبِيهَا بِجَادٌ بِمُوَحَّدَةٍ، ثُمَّ جِيمٍ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي " الْمَرَاقِي " بِقَوْلِهِ:
خِطَابٌ وَاحِدٌ لِغَيْرِ الْحَنْبَلِيِّ ... مِنْ غَيْرِ رَعْيِ النَّصِّ وَالْقَيْسِ الْجَلِيِّ
وَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ التَّحْقِيقَ مَنْعُ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَظَاهِرُ النُّصُوصِ الْإِطْلَاقُ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ، أَوْ غَيْرِهِ كَمَا رَأَيْتَ، وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ مُطْلَقًا، وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمُتَقَدِّمِ الدَّالِّ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ، وَحَدِيثَ الْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النِّسَاءِ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا لِلرِّجَالِ جَائِزًا لِلنِّسَاءِ، وَتَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ.
وَمِمَّنِ اعْتَمَدَ هَذَا الْجَمْعَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ حَيْثُ قَالَ: بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهَةِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى مِنْهُ. فَتَرَاهُ فِي تَرْجَمَةِ الْحَدِيثِ جَعَلَهُ خَاصًّا بِالرِّجَالِ، وَهُوَ عَيْنُ الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ يُشِيرُ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَعْنِي النَّوَوِيَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا " مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِ النِّسَاءِ، وَزِيِّهِنَّ، وَأَخْلَاقِهِنَّ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.