وَتَفْسِيرُهُ لِلْحَدِيثِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ تَحْرِيمُ الْمُعَصْفَرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةٍ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ فَقَالَ: " مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟ " فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلِي، وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ " انْتَهَى مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ إِلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ، ثُمَّ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. كَلَفْظِ أَبِي دَاوُدَ، اهـ.
وَجَمَعَ الْخَطَّابِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: بِأَنَّ النَّهْيَ فِيمَا صُبِغَ مِنَ الثِّيَابِ بَعْدَ النَّسْجِ، وَأَنَّ الْإِبَاحَةَ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ نَقَلَ هَذَا الْجَمْعَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنِ الْخَطَّابِيِّ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: هَذَا الْجَمْعُ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعُصْفُرَ لَيْسَ بِطِيبٍ، فَأُبِيحَ لِلنِّسَاءِ وَمُنِعَ لِلرِّجَالِ، كَالْحَرِيرِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَاتَّضَحَ أَنَّ الظَّاهِرَ بِحَسَبِ الدَّلِيلِ أَنَّ الْمُعَصْفَرَ: لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ، وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ الْعُمُومُ، وَكَوْنُهُ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ قَرِينَةً عَلَى التَّعْمِيمِ، إِلَّا أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ تُخَصَّصُ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُصَرِّحَةِ، بِجَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَمَا فَسَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ وَحَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ الْمُتَقَدِّمَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَكَوْنُهُ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ: لَا يُنَافِي أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ. دُونَ النِّسَاءِ، كَمَا قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ: " إِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ " مَعَ إِبَاحَتِهَا لِلنِّسَاءِ.
وَالَّذِينَ أَبَاحُوا لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا، احْتَجُّوا بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " قَالَ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ.